Theophrastus
فاكتفى بتسجيل مشاهداته، ولم يهتد إلى تفسير معقول لهذه الظاهرة. ووقفت التجارب الكهربية عند هذا الحد إلى القرن السادس عشر، ثم تقدمت خطوة أخرى على يد العالم الإنجليزي وليام جلبرت طبيب الملكة اليصابات حين استطاع أن يثبت أن هذه الظاهرة تتكرر في بعض المواد، وأن أجساما غير الكهربا تجذب الزغب والنثارة بعد حكها وتسخينها كالشمع والكبريت والماس، وبعض المعادن النفيسة، وأن الرطوبة تفقدها هذه القوة إذا صبت عليها السوائل، إلا الزيت فإنه لا يضعف تلك الجاذبية فيها، وأن لأحوال الجو تأثيرا في الجاذبية يختلف باختلاف الرطوبة والجفاف، وتقدم جويرك
Guericke
مخترع المضخة الهوائية قليلا بالبحث الكهربي، فلاحظ أن الأجسام المكهربة تتدافع أحيانا وأن الشرر يتطاير من بعضها ويصحبه صوت مسموع بمقداره من القوة، ثم ورد خاطر التشبيه بالبرق والرعد على ذهن العالم الإنجليزي وال
Wall
ولكنه لم يفسره وترقب أن ينبغ في العالم ذهن عبقري يفلح في تفسيره، ووقفت الدراسات العلمية والاختراعات الصناعية بهذا البحث عند هذا الحد فلم تستخدم في شيء أنفع من تركيب بعض الأجهزة التي تعرض هذه الظواهر ولا تقرن بها «نظرية» عامة أو فرضا من الفروض التي تؤسس عليها العلوم.
وفي هذه المرحلة تسلم فرنكلين مباحث الكهربا، فلم يزل بها حتى وضع لها تلك الفروض على قواعدها المقررة إلى هذا اليوم، فوحد بين ظواهر الكهربا في الأرض والسماء، وعرف الكهربية الزائدة والكهربية الناقصة، أو الكهربية المشبعة والكهربية المتعطشة وهما المعروفتان اليوم باسم الموجبة والسالبة، وراقب خاصة التوصيل والاقتباس فصنع الطيارة المشهورة لاستخراج الكهربا من السحاب، ولم تكن هذه التجارب مأمونة العاقبة في تلك المرحلة؛ لأن خصائص المادة الموصلة للكهربا لم تكن معروفة بتفصيلاتها ولم تزل متفرقة مبعثرة لا تربط بينها رابطة تجمع المتشابهات منها على قاعدة واحدة، وفي إحدى هذه التجارب أوشك أن يهلك لابتلال الخيط الذي ربط به الطيارة أثناء نزول المطر، ولولا أنه لم يتشبع بالماء في جميع أجزائه لهلك رعدة كما هلك الأستاذ ريشمان
Richmann
السويدي في تجربة مثل هذه التجربة كان يجريها في بطرسبرج، فكان استمرار فرنكلين على تجاربه - مع هذه العوارض المبهمة - مخاطرة أخطر مما يقال عنه: «إنه لعب بالنار.»
ونحن في عصر التحليل وتوزيع الأعمال نتساءل: هل كان فرنكلين عالما أو مخترعا؟ هل كان يدرس العلم بعقل الباحث الذي ينقب عن الحقيقة ويضع النظريات، ويوفق بين الحوادث المبعثرة ليجمعها إلى قانون واحد، أو كان يدرس العلم دراسة الصانع الحاذق الذي يخترع الآلات أو يحكم صنعها بزيادة المعرفة والتحقيق؟
صفحه نامشخص