بناء امّه عربی
منهاج مفصل لدروس في العوامل التاريخية في بناء الأمة العربية على ما هي عليه اليوم
ژانرها
والشئون الحكومية الأساسية أربعة: حفظ الأمن، والذود عن البلاد، وجباية الأموال العامة، والقضاء. والحكومة تترك ما عدا ذلك للجماعات والطوائف والأفراد تديره طبقا لعرفها وتقاليدها. وسنورد شيئا عن هذا فيما يلي:
وصفنا جهاز حفظ الأمن والحرب.
أما الجباية فلها إدارة عليا: هي الروزنامة، وأهم الأموال العامة الأموال المفروضة على الأرض الزراعية، والرسوم الجمركية، وعدد لا يحصى من الرسوم المتنوعة على أرباب الصناعات.
والطريقة الشائعة في جمع الأموال العامة كانت الالتزام؛ وهو أن يلتزم شخص بأداء حق الحكومة جملة، ويتولى هو تحصيله متفرقا؛ كأن يلتزم إنسان مثلا بجمرك الإسكندرية فيؤدي للحكومة مبلغا من المال هو متفق عليه لما ينتظر تحصيله على السلع المصدرة والمستوردة، ويحصل هو لحسابه ما يستطيع تحصيله. والمفروض أن الالتزامات المختلفة تعطى بناء على مزايدات. وأهم الالتزامات التزام الأموال الأميرية على الأطيان؛ فإن الملتزمين في هذه الحالة كانوا مزارعين ومشرفين على عمل الفلاحين في الزراعة.
والقضاء بالنسبة للمعاملات المدنية في يد القاضي ونوابه. والمفروض أنه يجري طبقا لأحكام الشريعة أو على الأقل طبقا لقواعد لا تخالفها. أما فيما عدا المعاملات المدنية - أي في المواد الجنائية - فيجريه رجال الإدارة طبقا لأهوائهم، وكانوا عادة يقصدون إلى الإرهاب وبعث الرعب أكثر مما يهدفون إلى معرفة الحقيقة.
وقد انتظم أصحاب الصناعات المختلفة في طوائف، والطائفة - على خلاف نقابة العمال الآن - تضم مختلف المشتغلين بالمهنة، من صبيان يتعلمونها وصناع بالأجر ومعلمين أو رؤساء. والطائفة تسيطر على الصناعة سيطرة تامة، ولا يباح لأحد أن يحترف صناعة إلا إذا تعلمها على يد معلم وشهد له هذا بإتقانها. والتجار أيضا تنظمهم طوائف بحسب بلادهم - ففي القاهرة مثلا الشوام والمغاربة والترك - أو بحسب نوع التجارة التي يمارسون كالعطارة ... إلخ.
والتعليم حر (ومعنى حر أنه لا تتولاه سلطة حكومية، ولكنه يسير طبقا لنظام موروث مفصل، لا يحيد عنه المعلم والمتعلم، فهو ليس بالحر)، وهو بالمجان، ويعان الطالب بأنواع شتى من الإعانات. ونفقات التعليم ومرتبات المعلمين تدبر مما يحبسه أهل الخير من جميع الطبقات على معاهد التعليم. ولم تخل مدينة من المدن العربية الكبرى من معاهد التعليم، ولم ينقطع ارتحال الطلاب من مدينة لأخرى لطلب العلم، ولم ألاحظ اتصالا بين المعاهد العربية والمعاهد التركية اللهم إلا ما كان بين العلماء السوريين والمعاهد التركية وسلك القضاء العثماني.
والحياة الدينية في البلاد العربية تنظمها الطوائف الصوفية أو أصحاب السجاجيد. وقد بلغ من شأنها أنها كان لها محلها في الحياة الحكومية الرسمية.
ومما تختلف فيه أنظمة ذلك العهد عن أنظمة عصرنا أن الموظف كان لا يتقاضى - كما هو الحال الآن - مرتبا محدودا، بل كان مرتبه يتكون من عناصر مختلفة، منها عوائد عينية أو نقدية على جهات شتى، ومنها رسوم يحصلها ممن يقضي لهم عملا رسميا؛ فيقضي الموظف وقتا لا بأس به في تحصيل استحقاقاته المختلفة وإلا ضاعت عليه، كما يحاول - وهذا ممكن تصوره - أن يحصل من أصحاب المصالح أكثر من الرسم المستحق له، وفي الوقت نفسه على الموظف إذ ذاك أن يؤدي عوائد لجهات معينة نظير تعيينه في عمله أو بقائه فيه، وغني عن البيان أن أخذ الحكومات في الوقت الحاضر بنظام المرتب المحدد للموظف لم يمح تماما النظرة القديمة للوظائف والموظفين.
وعلينا أن نتم استعراضنا لأنظمة الحكم بالتكلم إيجازا عن نظام الملل ونظام امتيازات الأجانب، والنظامان إسلاميان ، ويطبقان على فئتين من غير المسلمين؛ فالفئة الأولى فئة أهل الذمة من الرعايا الغير المسلمين، والفئة الثانية فئة المستأمنين أو الأجانب الغير المسلمين الذين يقيمون في ولايات السلطان لأغراض التجارة وما إلى ذلك. أما الأجنبي المسلم فهو ليس بأجنبي، فالمغربي أو الفارسي أو الهندي المسلمون في ولايات السلطان حكمهم حكم رعاياه المسلمين سواء بسواء.
صفحه نامشخص