بناء امّه عربی
منهاج مفصل لدروس في العوامل التاريخية في بناء الأمة العربية على ما هي عليه اليوم
ژانرها
يظن بعض الناس أن ما شاب العصر العثماني من الاضطراب الشديد ومن عسف الأقوياء وضياع الحقوق يرجع إلى عدم الاهتمام بتحديد الحقوق والواجبات وبضبط الدفاتر والسجلات وبتنظيم الإجراءات وبتقييد تصرفات الأشخاص بشتى القيود. والواقع أن الإدارة العثمانية اهتمت كل الاهتمام بوضع نظام مفصل لكل شيء، كما أنها اهتمت بالدفاتر والسجلات اهتماما كبيرا، كما حتمت أن يكون النظر في بعض الشئون من حق دواوين أو هيئات تجتمع في مجالس تعقد دوريا ولا يترك النظر فيها للأشخاص مهما كانوا.
ولكن الذي يؤسف له أن احترام الأنظمة كان شكليا أكثر منه حقيقيا، فمثلا بقيت في مصر إلى أيام محمد علي حامية عثمانية مسجلة في أوراق ومرتبة لها مرتبات، ولكن كانت في نفس الوقت القوة الحقيقية تتألف من المماليك الذين يملكهم أمراء أصلهم من المماليك أيضا، وأمراؤهم هم الذين يتولون شراءهم وإعدادهم والإنفاق عليهم. وهؤلاء هم الذين قابلوا الجيش الفرنسي عندما غزا مصر في 1798 لا الحامية العثمانية الرسمية. وقس على ذلك.
ويمثل السلطان في الولاية باشا، والباشوات يتدرجون صعودا من مرتبة إلى أعلى منها، ويرمز لرتبتهم بعدد أذناب الخيل التي يثبتونها على على الرماح في مواكبهم. والولايات تختلف أهمية، وهي في الغالب حاضرة وما يتبعها، كدمشق أو حلب أو طرابلس الشام ... إلخ. ونلاحظ أن الدولة العثمانية حافظت على تقسيم المماليك لسورية إلى عدد من الباشوات. أما مصر فقد حافظت الدولة على وحدتها وجعلتها باشوية واحدة.
والسلطان هو الذي يعين الباشوات، إما من رجال حكومته في القسطنطينية أو نقلا من ولاية إلى ولاية. ولكن كان يحدث أنه يعين رجالا محليين قد وضعوا أيديهم على مناصب الباشوية ولم تستطع حكومة السلطان عندما انتابها الضعف أن تزحزحهم عنها (من أمثلة ذلك: النيابات المغربية - بيت العظم في دمشق - الباشوات من المماليك في بغداد ... إلخ)، ولكن مصر لم يحدث فيها شيء من ذلك، فكان باشواتها يقدمون من القسطنطينية إلى أيام محمد علي.
وجرت العادة أن يعين السلطان رأسا أيضا بعض كبار أصحاب المناصب، وهم قاضي الولاية ودفتردارها (المسئول عن الإدارة المالية) وقواد أو قباطين الثغور المهمة.
والقاعدة عند الدولة أن يعين صاحب المنصب لمدة سنة واحدة قابلة للتجديد، وفي العادة لا تتجدد كثيرا. ويرجع ذلك لسببين: أولا لأن صاحب المنصب يؤدي مالا أو رسما نظير الحصول على المنصب ونظير تمتعه به، وثانيا لأن حكومة السلطنة تخشى أن يتمكن صاحب المنصب من تثبيت قدمه فيفعل ما يشاء.
وقد نظمت الدولة جباية الولايات بشكل دقيق، كما نظمت مصروفاتها بدقة أيضا. وكان المفروض أن ترسل للسلطنة أو لجهات خيرية تقررها السلطنة (كالحرمين مثلا) مخصصات عينية ونقدية، ثم ما زاد من مجموع الدخل على مجموع المصروف كان يجب أن يرسل لخزانة السلطان ، ومقداره يختلف من سنة لأخرى.
وعلى رأس مصروفات الولاية نفقات الحامية العسكرية، وكانت تتألف في مصر من فرق تدعى الواحدة منها باسم أوجاق أو وجاق. ومن أشهر الأوجاقات أوجاق البنشرية أو الانكشارية، ويعرفون في مصر أيضا باسم مستحفظان.
وأوجاقات الحامية تقوم بوظائف مختلفة لا علاقة لها بالحرب أو بالدفاع، وأغاواتها أو ضباطها يعهد إليهم بوظائف مهمة، كإمارة الحج أو توصيل خزانة الدولة إلى العاصمة أو حكمدارية القاهرة وما إلى ذلك.
ومن هؤلاء الضباط، ومن قاضي مصر وكبار علمائها وأعيانها، تتألف الدواوين التي تشارك الباشا في تصريف الأمور المهمة. وفي مصر أصبحت مناصب الأوجات يستأثر بها أمراء مماليك محليون قدموا البلاد أحداثا ونشئوا فيها، وعملوا على أن تكون لهم قوات من مماليك يقتنونهم بمالهم، كما أنهم أيضا أخذوا يستأثرون بمناصب الإدارة في أقاليم مصر؛ أي وظائف الكشاف والصناجق.
صفحه نامشخص