بداءة عصر البطالمة
بداءة عصر البطالمة: محاضرة ألقيت في المؤتمر الثامن للمجمع المصري للثقافة العلمية
ژانرها
أما مدى حياة هذا الاتحاد، وما وقع أثناءه للملكة الصغيرة، فأمران غامضان. ويفرض «بوشيه لكلار» أن بطلميوس الثاني أعاد فتح برقة قبل موته، بدليل أن نقش «أدوليس» يروي أن «ليبيا» كانت إحدى البلاد التي ورثها بطلميوس الثالث لا إحدى البلاد التي جناها، ويرى «تارن» أن هذا الاتحاد ظل قائما حتى حكم بطلميوس الثالث؛ لأنه لم ينتحل اسم «أورغيطس» إلا في السنة الخامسة من حكمه، ولا يبعد أن يكون إضفاء هذا الاسم عليه، راجعا إلى إعادة بلاد برقة إلى حكمه. غير أن هذا ليس أكثر من تحسس في الظلام، على ما يقول بوشيه لكلار؛ لأن انتحال اسم أورغيطس لا علاقة له إطلاقا باسترجاع برقة، والأرجح قول «ييروم» أنه ذا علاقة بإعادة الأنصاب إلى مصر، ذلك بأن استرجاع جزء من مملكة أبيه كان منفصلا عنها، إنما يعود نفعه عليه وحده، دون أي من الناس.
ومهما يكن من أمر ذلك، فإن زواج بطلميوس الثالث من برنيقية قد وقع في أيام حكمه، ولا يبعد أن يكون قد وقع قبل موت أبيه. والغالب أن تغيير أسماء ثلاث مدن في برقة قد حصل بعد إعادة فتحها، فسميت «هسبريدس» باسم «برنيقية» وطوخيرا باسم أرسنوية، وبرقة باسم إفطولمايس. •••
كان الفراعين في الأزمان الأولى يحملون أسلحتهم ضاربين بجيوشهم في البقاع الواقعة جنوبي الشلال الأول، حيث البلاد التي يدعوها الإغريق «أثيوبيا» (بلاد المحروقة وجوههم)، والتي نعرفها الآن باسم السودان. وكان العدد الأكبر من سكان بلاد النوبة ومصر العليا من سلالة تمت إلى المصريين بسبب، وليسوا من دم الزنوج، ولو أن لقاحا زنجيا كان يجري في عروقهم. ذلك بأن الزنوج الذين كانت تأهل بهم داخلية تلك البلاد، كثيرا ما كانوا يغيرون على مصر العليا ويختلطون بالأهلين. ولقد أصبحت الثقافة المصرية ثقافة تلك البلاد، أو على الأقل ثقافة البيوت المالكة فيها، وإنك لواجد «هياكل مصرية الطابع» كانت منتشرة إلى ما بعد الموقع الذي تشغله مدينة الخرطوم الآن. ولقد ذكر سير «فلندرزبتري» أن ملوك «أثيوبيا» في خلال القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد، قد أخضعوا لصولجانهم مملكة النيل جميعها حتى الدلتا، وأنه لما وقعت مصر تحت نير الحكم الآشوري والحكم الفارسي، كان الفراعين الأثيوبيون وكهنة «آمن» لا يزالون يمتعون بالحكم والسيادة في أقاليم مصر العليا.
بعد أن ذلل الحكم الفارسي السبيل للحكم الإغريقي، ومحيت مظاهر الملوكية الفرعونية من قصور الإسكندرية وممفيس، كان الملك «نستاس» يحيي في «نباطة» عاصمة الأثيوبيين - وكانت بالقرب من جبل بركل الآن - التقاليد الفرعونية. ولم يكن عند البطالمة نفس الرغبة التي كانت تجيش في صدور الفراعين، فتنزع بهم إلى ضم «أثيوبيا» إلى دولتهم. وكانت نظرتهم كإغريق، إنما تتجه دائما من خلال البحر المتوسط صوب الشمال، فقنعوا بأن تنتهي حدودهم عند الشلال الأول ولا تتخطاه إلا قليلا.
ولقد نعرف أن قوات الإسكندر الأول احتلت «إلفنطينية» كما ترك لنا الأغارقة والمقدونيون، الذين عهد إليهم بطلميوس الأول بالدفاع عن المملكة هنالك، بعضا من أقدم أوراق البردي التي حصلنا عليها. وغير بعيد أن «إلفنطينية» كانت في ذلك العهد أقصى نقط الحدود الجنوبية، ولكن «ديودورس» ينبئنا أن بطلميوس الثاني قاد زحفا من قوات إغريقية، وأمعن في أثيوبيا غزوا؛ وبذلك فتح أعين الأغارقة على بقاع لا عهد لهم بها من قبل. وقد ترجح أن التطلع إلى الاستكشاف الجغرافي، والرغبة في الحصول على حيوانات غريبة غير معروفة، كانا من الأسباب التي حركت في بطلميوس الرغبة في قيادة ذلك الزحف.
ومهما يكن من أمر ذلك، فليس عندنا ما يؤيد أنه رغب في ضم «أثيوبيا» إلى أملاكه. والغالب أنه بعد موت «نستاس» سنة 308ق.م (على ما يحسب رسنر) انقسمت «أثيوبيا» مملكتين، ونشأت أسرة جديدة اتخذت «فيروبي» (المعروفة الآن باسم يجروية وهي على 130 ميلا من الخرطوم جنوبا) مقرا لحكمها، موغلة بذلك في أعالي النيل، وكانت هذه الأسرة أقوى من الأسرة التي حكمت في «نباطة»، ولكن هذه استمرت تحكم إلى حين.
وبدأ الأغارقة يضربون في جولاتهم إلى أقاصي الجنوب، ويقال: إن إغريقيا اسمه «داليون» كان أول من اخترق تلك الأقاليم إلى جنوبي «فيروبي»، والراجح أن رحلته كانت في أوائل حكم بطلميوس الثاني، ولقد ألف كتابا عن «أثيوبيا» بقي من بعده.
في قصاصة من البردي باللغة الإغريقية وجدت في «إلفنطينية»، ما يرجح أنها جزء من رقعة أرسلها قائد القوات البطلمية هنالك (وهو مصري الاسم) إلى الملك، في وقت كانت مصر فيه مشتبكة في حرب مع «أثيوبيا»، وإليك ما فيها:
إلى الملك بطلميوس، سلام وتحية من أرنوفس ... حضر الأثيوبيون وحاصروا ... وابتنوا دريئة وأنا وأخواي ... كمدد حربي ... وقاومنا ...
يدل أسلوب هذه القصاصة على أنها كتبت في النصف الأول من القرن الثالث قبل الميلاد، ولا يبعد أن تكون ذات علاقة بزحف بطلميوس الثاني إلى «أثيوبيا». •••
صفحه نامشخص