بداية المجتهد ونهاية المقتصد

Ibn Rushd (Averroes) d. 595 AH
144

بداية المجتهد ونهاية المقتصد

بداية المجتهد ونهاية المقتصد

ناشر

دار الحديث

شماره نسخه

بدون طبعة

محل انتشار

القاهرة

; وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَإِنَّ الَّذِي دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَقَدْ صَلَّى لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ صَلَّى مُنْفَرِدًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ. فَإِنْ كَانَ صَلَّى مُنْفَرِدًا فَقَالَ قَوْمٌ: يُعِيدُ مَعَهُمْ كُلَّ الصَّلَوَاتِ إِلَّا الْمَغْرِبَ فَقَطْ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُعِيدُ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا إِلَّا الْمَغْرِبَ وَالْعَصْرَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِلَّا الْمَغْرِبَ وَالصُّبْحَ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إِلَّا الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُعِيدُ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا، وَإِنَّمَا اتَّفَقُوا عَلَى إِيجَابِ إِعَادَةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِالْجُمْلَةِ لِحَدِيثِ بسر بن محجن عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لَهُ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَلَمْ يُصَلِّ مَعَهُ: مَا لَكَ لَمْ تُصَلِّ مَعَ النَّاسِ: أَلَسْتَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ؟ فَقَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنِّي صَلَّيْتُ فِي أَهْلِي، فَقَالَ ﵊: إِذَا جِئْتَ فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ» فَاخْتَلَفَ النَّاسُ لِاحْتِمَالِ تَخْصِيصِ هَذَا الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ أَوْ بِالدَّلِيلِ، فَمَنْ حَمَلَهُ عَلَى عُمُومِهِ أَوْجَبَ إِعَادَةَ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَأَمَّا مَنِ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْمَغْرِبِ فَقَطْ فَإِنَّهُ خَصَّصَ الْعُمُومَ بِقِيَاسِ الشَّبَهِ وَهُوَ مَالِكٌ ﵀ وَذَلِكَ أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ هِيَ وَتْرٌ، فَلَوْ أُعِيدَتْ لَأَشْبَهَتْ صَلَاةَ الشَّفْعِ الَّتِي لَيْسَتْ بِوَتْرٍ ; لِأَنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ بِمَجْمُوعِ ذَلِكَ سِتَّ رَكَعَاتٍ، فَكَأَنَّهَا كَانَتْ تَنْتَقِلُ مِنْ جِنْسِهَا إِلَى جِنْسِ صَلَاةٍ أُخْرَى، وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لَهَا، وَهَذَا الْقِيَاسُ فِيهِ ضَعْفٌ لِأَنَّ السَّلَامَ قَدْ فَصَلَ بَيْنَ الْأَوْتَارِ، وَالتَّمَسُّكَ بِالْعُمُومِ أولى مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الْقِيَاسِ، وَأَقْوَى مِنْ هَذَا مَا قَالَهُ الْكُوفِيُّونَ مِنْ أَنَّهُ إِذَا أَعَادَهَا يَكُونُ قَدْ أَوْتَرَ مَرَّتَيْنِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْأَثَرِ «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ تَكُونُ نَفْلًا، فَإِنْ أَعَادَ الْعَصْرَ يَكُونُ قَدْ تَنَفَّلَ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَقَدْ جَاءَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ، فَخَصَّصَ الْعَصْرَ بِهَذَا الْقِيَاسِ، وَالْمَغْرِبَ بِأَنَّهَا وَتْرٌ، وَالْوَتْرُ لَا يُعَادُ، وَهَذَا قِيَاسٌ جَيِّدٌ إِنْ سَلَّمَ لَهُمُ الشَّافِعِيَّة أَنَّ الصَّلَاةَ الْأَخِيرَةَ لَهُمْ نَفْلٌ. وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْعَصْرِ وَالصُّبْحِ فِي ذَلِكَ فَلِأَنَّهُ لَمْ تَخْتَلِفِ الْآثَارُ فِي النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَاخْتُلِفَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَأَمَّا إِذَا صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ فَهَلْ يُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى؟ فَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعِيدُ،

1 / 152