فقال بدهشة: لا محل لهذا القول الآن. مضى زمنه وبات قديما، نحن الآن في «أحبك»! - وماذا تريد؟ - أن أحبك!
وهمت بانتهاره؛ فغلبها الابتسام الذي أعياها كتمانه، ثم ضحكت ضحكة مقتضبة مكتومة، خرجت من أنفها نفخة لطيفة، ولم تملك أن خفضت رأسها في حياء. وهزته هذه الحركة فهاجت صبوته وأقبل نحوها متشجعا طامعا، ومد يده ليمسك يدها، ولكنها تراجعت فيما يشبه الرعب، وخاطبته بلهجة جادة لا تترك ريبة في جديتها: لا تمسني!
فغاضت ابتسامة الظفر في شفتيه، ولكنها لم تباله واستطردت قائلة بنفس اللهجة الجدية: لا تحاول أن تمسني أبدا، لا أسمح بهذا ولا أتصوره!
فوجم قليلا ثم قال بدهشة: إني آسف، ما قصدت سوءا، إني أحبك بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى صحيح.
فقالت وهي تنظر إلى قدميها، وقد نم مظهرها على شعورها بخطورة ما تقدم على قوله: إني شاكرة لك هذا، ولكن ليس «أنا» الذي أملك الرد عليه!
ووقع قولها من نفسه موقع المفاجأة والدهشة. كان يجري وراء عاطفته مستغرقا فيها دون أن يفكر فيما عداها. كان يحب ولا يرى إلا الحب، فأعاده قولها إلى رشاده، وفهم ما فاته فهمه، وأدرك أن الأمر جد لا لهو ولعب. ولم يأسف على هذا، بل زاد سرورا، ولكن غشيته غاشية خوف وقلق لم تخف عليه دواعيها. وخرج من حيرته بأن قال: إني أدرك وجاهة رأيك، وأوافق عليه، ولكن ليس هذا كل شيء. إني أسأل قلبك أولا؟
ولانت ملامحها، ولكنها لم تفقد السيطرة على إرادتها، فقالت: أرجو ألا تستدرجني لحديث لا أحبه! - لا تحبينه!
ولم تكن تعني ما قالت بالضبط، ولكنها لم تر بدا من أن تغمغم قائلة بصوت ضعيف: أجل ...
فقال حسنين بارتياع: هذه طعنة دامية في قلبي!
فقالت بحيرة وارتباك وحياء: لا أحب أن أسلك سلوكا أو أقول قولا يستوجب الإخفاء!
صفحه نامشخص