وأشفقت الأم من تكدير سعادتها الشاملة فقالت بتوسل: ستسوى هذه الأمور مع الزمن، فلا تتعجل بحمل همها!
وحدجها بنظرة غريبة وغبطها في نفسه على قوة أعصابها، ولكنه سرعان ما تغيظ لعدم اكتراثها بالأخطار التي تتهول في رأسه وقال بحدة: قد تسوى هذه الأمور مع الزمن حقا، ولكن بعد أن يكون قد قضت علي!
فلاحت في عيني المرأة نظرة ارتياع وقالت له في عتاب: أراك كعادتك نافد الصبر متعجلا للمتاعب، ونصيحتي لك ألا تخلط أفراحك الحقيقة بأتراح وهمية لا أهمية لها.
فقال باستنكار: بلى، لا أهمية لها؟!
ماضي نفيسة وما يعرفه هذا الحي عنا لا أهمية له؟ - إذا لم تأخذ نفسك بالإيمان بهذا فلن تنعم بالسعادة أبدا.
فتنهد حسنين قائلا: أود أن أسدل على الماضي ستارا كثيفا. - تجمل بالصبر، وسيكون لك هذا.
فالتهب الشاب غيظا وقال كمن ضاق صدره: لا أخاف شيئا كخوفي الصبر الذي تدعينني إليه. انظري إلى هذه العطفة الحقيرة وهذا البيت العاري؛ هل أستطيع أن أخفيهما إلى الأبد عن أعين زملائي؟!
وشعرت المرأة بتعاسة، وأدركت أن حياتها لن تخلو من هم وكدر، وقالت له بمرارة: خطوة خطوة! كنا لا نجد الطعام فانظر أين نحن الآن!
فهز رأسه في حزن وقال: ما أردت إغضابك يا أماه، ولكني أفكر في هذه الأيام كثيرا في المتاعب التي تتهددنا، وقد ذكرت لك بعضها، ولعل ما بقي أدهى وأمر، فانظري مثلا إلى أخي حسن وسيرته في الحياة! كيف نستقبل الحياة في هدوء وحولنا هذه المتاعب؟!
وتفرست في وجهه بدهشة وكأنها تعجب لقدرته على اصطياد الهموم، وتمتمت فيما يشبه اليأس : دع الخلق للخالق. كنا هكذا دائما فلم نهلك ولم يقض علينا.
صفحه نامشخص