25 - فخير من ذلك أن ننظر إلى الفئة التي تضم تلك الفئات المتشابهة؛ فأمامك الآن - مثلا - ثلاثة رجال وثلاثة طيور وثلاثة أشجار وثلاثة مصابيح وثلاثة كتب إلخ، فبدل أن تحاول استخراج الصفة المشتركة بينها، لتكون هي معنى العدد «3»، ضمها جميعا في حزمة واحدة، وتصور أنك قد ضممت معها في هذه الحزمة عينها كل الثلاثات الممكنة في هذا العالم، يتكون لك فئة كبيرة تحتوي على فئات صغيرة، كل واحدة منها تشبه الأخرى، هذه الفئة الكبيرة من الفئات الصغيرة، هي معنى العدد «3». والفرق بين هذه الطريقة في تعريف العدد، وبين طريقة التجريد السابقة، هو - بلغة المنطق - الفرق بين تعريف الشيء بماصدقاته وتعريفه بمفهومه؛ طريقة التجريد تعرف العدد بالمفهوم، وطريقة الفئات المتشابهة في فئة واحدة تضمها، تعرف العدد بالماصدقات.
26
وتعريف العدد بأنه فئة من فئات متشابهة، ينطبق على كل عدد من سلسلة الأعداد بغير استثناء، فهو ينطبق على الصفر كما ينطبق على العدد «1»،
27
فالصفر هو الفئة التي تضم مجموعة الفئات الفارغة، والفئة الفارغة هي التي ليس لها أفراد، كفئة العنقاوات مثلا، فاجمع أمثال هذه الفئة الفارغة جميعا في فئة واحدة، تكن هذه الفئة الواحدة هي معنى الصفر، وكذلك قل في العدد «1» فهو فئة كبيرة تضم بين جنباتها مجموعة الفئات ذوات العضو الواحد، والفئة التي تكون ذات عضو واحد هي تلك التي لا يكون لها إلا مسمى واحد في عالم الأشياء، مع إمكان أن يوجد غيره إذا توافرت الصفات المميزة له في فرد آخر
28
مثل قولنا: «جرم يدور حول الأرض»، ونقصد بذلك «القمر»، فليس هنالك سوى القمر جرما يدور حول الأرض، لكننا على استعداد أن نطلق العبارة الوصفية نفسها «جرم يدور حول الأرض» على أي جسم آخر يتبين لنا أن هذه هي صفته، فاجمع كل الفئات ذات العضو الواحد في حزمة واحدة بخيالك يكن لك بذلك معنى العدد «1».
فتعريف «رسل» للعدد على هذا النحو، هو في الحقيقة بمثابة تعريف الاسم بالإشارة إلى مسماه، ولشرح ذلك أقول: افرض أنك تريد أن تشرح كلمة «أخضر» لطفل صغير، فلو حاولت أن تحدد له معنى الكلمة بصفات مجردة، كنت تتبع الطريقة التي اتبعها «كانتور» و«بيانو» في تعريف العدد، وهي طريقة التجريد، أما إذا أخذته إلى بقعة خضراء، وقلت له: انظر إلى هذه البقعة، فاللون «الأخضر» معناه هو الفئة التي تشتمل على جميع الأشياء الملونة بلون شبيه بهذا اللون الذي تراه أمامك، فهذا بعينه ما يريده «رسل» في تعريفه للعدد، إذ هو يعرف أي عدد بأنه الفئة التي تشمل جميع الفئات التي تكون شبيهة بفئة معينة، فإذا أردت أن تعرف معنى العدد «3» فانظر إلى ثالوث من الرجال مجتمعين معا، وقل إن العدد «3» معناه هو الفئة التي تشمل كل الفئات التي تكون كل منها شبيهة بهذه الفئة من الرجال التي أراها أمامي.
قد يسأل سائل: ألسنا حين نضم الفئات ذوات العدد الواحد في فئة كبيرة تشملها، فتكون هذه هي معنى ذلك العدد؟ ألسنا بذلك نفرض أسبقية علمنا بمعنى العدد قبل محاولة تحديد معناه؟ فنحن نقول - مثلا - إن العدد «3» معناه هو الفئة الكبيرة التي تحتوي على فئات صغيرة كل منها ثالوث معين، فتصور أننا حزمنا ثلاثة رجال في حزمة، وثلاثة طيور في حزمة، وثلاثة كتب في حزمة إلخ، ثم تناولنا هذه الحزمات جميعا فربطناها في حزمة واحدة كبيرة، فإن هذه الحزمة الكبيرة تكون هي مدلول العدد «3»، والاعتراض الذي نقدمه الآن هو هذا: كيف أتيح لنا أن نجمع هذه الثالوثات في حزمة واحدة ما لم يكن لدينا علم سابق بمعنى العدد «3»؟ وإذا كان لدينا هذا العلم السابق به، فما فائدة تعريفه بعد ذلك ما دمنا قد فرضنا معرفة سابقة به؟ والرد على هذا الاعتراض هو أننا لا نضم هذه الحزمات الصغيرة معا على أساس عددها، بل على أساس التشابه الذي بينها، وليس التشابه هو نفسه العدد، إنما تكون الفئتان متشابهتين إذا كان بين أفراد الواحدة منهما وأفراد الأخرى علاقة واحد بواحد، أعني أن يكون كل حد من حدود إحدى المجموعتين مقابلا لحد واحد لا أكثر من حدود المجموعة الأخرى، فمثلا إذا فرضنا في مجتمع ما أن كل رجاله وكل نسائه متزوجون، وأنه لا يباح في هذا المجتمع إلا زوجة واحدة لكل زوج، وإلا زوج واحد لكل زوجة، فعندئذ نحكم بأن عدد الرجال مساو لعدد النساء دون أن يكون بنا حاجة إلى عد الأفراد في كل من المجموعتين؛ إننا نحكم على هاتين المجموعتين بالتشابه، أي بأن بينهما علاقة واحد بواحد، ولا يقتضي ذلك منا أن يكون لنا سابق علم بعدد كل منهما.
وقد يعود الاعتراض من جديد بأنه إذا كنا سنبدأ الشوط في تعريفنا للعدد بجمع الفئات المتشابهة، وإذا كان التشابه معناه المنطقي هو أن تكون بين أفراد الفئتين المتشابهتين علاقة واحد بواحد، فإن إدراك هذه العلاقة نفسها بين الفئات المتشابهة يفترض إدراكنا للعدد «1»، لكن هذا الاعتراض لا يقوم على أساس قويم؛ لأن كل ما نطلبه لكي نحكم بوجود علاقة واحد بواحد بين مجموعتين هو أن تكون لدينا القدرة على تمييز الأفراد في كل من المجموعتين، وبعدئذ نستطيع أن نربط فردا من هذه بفرد من تلك، حتى إذا ما وجدنا أن كل فرد من هذه المجموعة قد ارتبط بفرد من تلك المجموعة، بحيث استنفدت الأفراد في كلتا المجموعتين، قلنا إن هاتين المجموعتين متشابهتان، دون أن نعلم عدد الأفراد هنا أو هناك، ودون أن يكون لدينا أي علم بفكرة العدد إطلاقا.
صفحه نامشخص