برتراند راسل: مقدمة قصيرة جدا
برتراند راسل: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
لم يستسلم راسل للخمول في المناحي الأخرى إبان سنوات الكدح الفكري هذه؛ إذ ظل اهتمامه بالسياسة نشطا؛ فكان يدافع عن حرية التجارة، ورشح نفسه للبرلمان متبنيا قضية منح حق التصويت للنساء في الانتخابات الفرعية في دائرة ويمبلدون لعام 1907. وكانت قضية منح حق التصويت للنساء قضية لا تحظى بقبول على الإطلاق، وكان المدافعون عنها يتعرضون للإساءة بل والعنف بصفة دائمة. وكان من الممكن أن يدخل راسل البرلمان في آخر الأمر لو لم يقف إلحاده في طريق ذلك؛ إذ كان في سبيله إلى الترشح عن دائرة بدفورد في انتخابات عام 1911، ولكن حال دون ذلك معرفة منظمي حملته الانتخابية بأنه يرفض إخفاء إلحاده عن الناخبين، وأنه يرفض التوجه إلى الكنيسة؛ ومن ثم اختاروا مرشحا آخر.
ولكن سنحت فرصة تناسبه أكثر بكثير بعد ذلك؛ إذ عينته كلية ترينيتي في وظيفة محاضر لمدة خمس سنوات؛ فسلك راسل حياة المحاضر، ووجه انتباهه إلى تأليف كتاب صغير أصبح من الكتب المرموقة، وهو كتاب «مشكلات الفلسفة»، ويظل هذا الكتاب حتى اليوم من أفضل المقدمات القصيرة إلى هذا الموضوع.
كانت العلاقات العاطفية من النتائج غير المتوقعة لأنشطة راسل السياسية؛ ففي عام 1910 وأثناء إقامته بالقرب من جامعة أكسفورد، كان يساعد في حشد تأييد الناخبين للمرشح المحلي فيليب موريل، وكانت زوجة موريل الليدي أوتولين موريل من معارف راسل في طفولته. وتطورت علاقتهما على مر العام التالي، وتحولت إلى علاقة غرامية. كان راسل يتمنى الزواج منها ، وهو ما كان يستلزم طلاقه من أليس وطلاق أوتولين من فيليب. ولكن أوتولين لم تكن ترغب في ترك فيليب؛ ولذا ظلت علاقتهما علاقة زنا، وتقبل فيليب علاقتهما، ولكن العلاقة لاقت معارضة شديدة من أليس وأسرتها. انفصل راسل وأليس في أوائل عشرينيات القرن العشرين، مع أنهما كانا منذ وقت سابق على هذا في حكم المطلقين، ولم يلتقيا ثانية طوال 40 عاما.
كانت أوتولين مناسبة لراسل قطعا. وكتب عنها راسل: «كانت تضحك علي حين كنت أتصرف كمحاضر جامعي أو متزمت، وحين كنت أستبد برأيي في الحديث. وشفتني تدريجيا من الاعتقاد بأنني أفيض بفجور شنيع لا يمكن كبحه إلا بقبضة حديدية من ضبط النفس. وساعدتني على أن أقلل من أنانيتي واعتدادي بنفسي وبآرائي» (السيرة الذاتية لبرتراند راسل، ص214).
شكل 1-4: الليدي أوتولين موريل (1873-1938)، رسمها أغسطس جون عام 1926؛ لوحة زيتية على قماش.
3
وهكذا وفرت له إشباعا لدوافع تذوق الجمال لديه، سواء بذاتها أو بالجمال البديع لكل ما يحيط بها. كان راسل يبلغ حينئذ نحو 40 عاما؛ أي إنها كانت صحوة متأخرة ولكنها عميقة الأثر.
وفي عام 1914 زار راسل الولايات المتحدة، وألقى محاضرات في جامعة هارفرد، وذلك من بين أماكن أخرى. ونشرت محاضراته فيما بعد في كتاب «معرفتنا بالعالم الخارجي». وكان تي إس إليوت من بين تلاميذه في جامعة هارفرد، وكتب إليوت قصيدة عنه بعنوان «السيد أبوليناكس»، وصوره فيها على أنه كائن أسطوري غريب بل ومفزع، قد يتدحرج رأسه المزين بأعشاب البحر فجأة تحت مقعد أو يقفز وهو يبتسم فوق حجاب مصباح؛ صوره على أنه يضحك - حسبما يقول إليوت: «مثل جنين مستهتر.» ومع ذلك فإن «حديثه القوي الحماسي» يستهلك كل فترة بعد الظهيرة، مذكرا إليوت بوقع حوافر وحش القنطور الخرافي فوق أرض صلبة. ترك لقاء إليوت براسل انطباعا قويا عليه؛ أما عن غيره من الحاضرين، فلم يتذكر إلا أنهم كانوا يأكلون شطائر الخيار.
أثناء زيارة راسل لشيكاجو أحب ابنة مضيفه - ولا يرد اسمها في السيرة الذاتية - وكانت آنذاك طالبة في كلية برين مور. وأعدا العدة كي تلحق به في إنجلترا حتى يتمكنا من الزواج بعد أن يطلق أليس. وقد سافرت الفتاة فعلا، ولكن الحرب العالمية الأولى كانت قد اندلعت في ذلك الحين؛ مما أصاب راسل بصدمة نفسية، لكن مشاركته الحماسية في الأنشطة المناهضة للحرب أدت إلى محو مشاعره تجاهها. وتفاقمت كارثة زيارتها إليه بإصابتها بالجنون. ويسرد راسل في سيرته الذاتية هذه القصة القصيرة المحزنة بندم ملؤه الألم.
شكل 1-5: كتب تي إس إليوت (1888-1965) - أحد طلاب راسل في جامعة هارفرد - قصيدة عنه بعنوان «السيد أبوليناكس»، ويظهر فيها كمخلوق أسطوري رأسه مزين بالأعشاب البحرية وله حوافر قنطور.
صفحه نامشخص