فتساءل صاحب القهوة ذاهلا: وهل يوجد ما هو شر من ذلك؟ - بعد فاتحة الأعور بساعتين، وجدت جعران فتوة الحلوجي أمامي! - يا ساتر يا رب، وماذا أراد؟ - نعيمة أيضا!
وضرب صاحب القهوة كفا بكف، ثم رفع رأسه إلى سقف القهوة يخاطب السماء، فقال العجوز: اعترض سبيلي كالقضاء والقدر، لم أدر ماذا أقول ولا كيف أتصرف، ثم اضطررت أن أعترف له بفاتحة الأعور. - يا أرض احفظي ما عليك. - قال لي: يا مخرف .. يا أعمى .. أقول لك جعران تقول لي الأعور؟ الحقيقة أنا انذعرت .. ومددت يدي، وأنا لا أدري وقرأت الفاتحة! - وفاتحة الأعور؟
فقال العجوز في انهيار تام: هذه هي المصيبة، فأغيثوني.
وسرعان ما أدركوا أن المصيبة إنما هي مصيبة الفرغانة، وأن الخراب عاد يهدد عطفتهم. وبحثوا جميعا عن حل حتى قال مقرئ أعمى: لا يمكن أن تتزوج من الاثنين فهذا محال، ولا يمكن أن تتزوج من واحد دون الآخر، فهذا هو الموت.
ثم خلع العمامة وحك رأسه طويلا دون أن يوفق إلى اقتراح حل، فقال بياع الترمس: فلتتزوج سرا من الحملي.
فقال كثيرون في وقت واحد: ولا أبو زيد الهلالي نفسه يمكن أن يتزوجها الآن.
ولما أجهد التفكير رءوسهم عبثا، قال المقرئ: ادعوا معي: يا كريم الألطاف نجنا مما نخاف.
وانتبه الناس في الصباح على حركة غريبة في وكالة مهجورة بالعطفة .. رأوا جماعة من البنائين والنجارين والعمال يعملون بهمة في الوكالة ليعدوها لحياة جديدة. وثبتت فوق المدخل لافتة كبيرة بعنوان «نقطة الفرغانة». وجاء عساكر وضابط فشغلوا المكان الجديد، وتجمهر الناس أمام النقطة، فقال لهم عسكري عجوز: الحكمدارية غضبانة .. ولا بد أن تنتهي الفتونة!
وقال البعض: إن الله قد استجاب لدعائهم. ولكن الطمأنينة لم تدخل قلوبهم. كل ما أحاط بهم أقنعهم بأن الفتونة أقوى من الحكومة. لم يروا طوال حياتهم شرطيا يتحدى فتوة على حين أن الفتوات يتحدون القانون في كل ساعة من نهار أو من ليل. ولم ينس أحد كيف أن مأمور قسم الظاهر استعان يوما بجعران فتوة الحلوجي على تاجر مخدرات يوناني متمتع بالحماية الفرنسية، عندما علم المأمور بأن اليوناني يهدده بالقتل! كيف يتأتى بعد ذلك لهذه النقطة البوليسية الصغيرة أن تقضي على الفتونة؟
وخرج الضابط الشاب بنجمتيه المذهبتين وشريطه الأحمر، وجلس على كرسي خيزران جنب مدخل النقطة، ثم أرسل شرطيا إلى قهوة التوتة ليأتي له بنارجيلة. كان في الخامسة والعشرين. رشيق القوام، غليظ القسمات، ليس فيه ما يلفت النظر سوى رأس كبير مفلفل الشعر كأنه كتلة صوانية مصفحة. نظر إلى المتجمهرين وقال ببساطة غريبة: محسوبكم عثمان الجلالي .. لا تخافوا .. الحكومة معكم.
صفحه نامشخص