بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن

مارون عبود d. 1381 AH
144

بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن

بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن

ژانرها

وهناك نبأ آخر - نشر حديثا في مجموعة تقوم بطبعها جمعية علوم المراسلات الأثرية، المؤسسة عام 1829، وهي جد محترمة ومتداولة - قد استفز انتباه العلماء وفضولهم؛ إذ قال إن جوالة إنكليزيا آخر - هو السيد ليريك - وصل حديثا إلى نابولي بعد أن وجد المخطوطات الهيروغليفية والمسمارية التي اكتشفت منذ عدة سنوات في نهر الكلب. إلا أن هذا الرحالة لم يأخذ رسم الوجوه ولا نسخة المخطوطات. إن حديثه يختلف في نقطة هامة عن حديث السيد بانك ويتفق مع ما قلتموه؛ فإنه يزعم «أن المخطوطات الهيروغليفية ممحوة عمدا، في حين أن المسمارية لا تزال محفوظة على أحسن وجه.»

إن السيد لافين الذي قام - بناء على رغبة السيد وليم جيل، العالم الشهير بالآثار - بزيارة نقوش نهر الكلب. يعتقد أن هذه المخطوطة حفرت بأمر من قمبيز، وأن هذا الملك محا المخطوطة التي كتب عليها بالحروف المصرية اسم رعمسيس أو سيسوستريس كي لا يترك دليلا تاريخيا كهذا ينبئ عن غزوة الملك المصري لآسيا الغربية.

وألاحظ بدوري أن هذا الافتراض لو كان يرتكز على أساس صحيح، لأصبح من الصعب تفسير تمكن السيد بانك من نسخ أو استنساخ أسطورة مصرية، في المكان نفسه، يقرأ عليها اسم رعمسيس أو سيسوستريس. وبما أن هذا الرحالة أو موفده قد زار نهر الكلب قبلكم على ما أظن، وقبل السيد لافين بعدة سنوات، فيجب أن نسلم، توصلا للتوفيق بين هذه الأدلة الثلاثة، بأنه: إما أن تكون المخطوطة المصرية - التي أخذها السيد بانك أو موفده من نهر الكلب - قد أتلفت بعد سفره أو سفر موفده إلى سوريا، وإما أن تكون محفورة في مكان غير ناتئ؛ فلم تنتبهوا إليها، لا أنتم ولا السيد لافين، ولا الذين كلفوا تنفيذ أوامر الهدم للقيام بأعمال التنقيب التي أمرهم بها الملك العجمي الذي أريتموني رسمه.

وبعد، فأرى أن ملاحظة المرحوم شامبوليون التي ذكرت ودونت - على الأرجح - بناء على المعلومات المعطاة من السيد بانك، لا تشير البتة إلى وجود هذا الرسم المشار إليه، أو وجود أي رسم آخر في نهر الكلب . ويظهر أن السيد لافين هذا - إذا حكمنا بناء على أحاديثه الموجودة بين يدي - لم يتحدث عنها أكثر من ذلك. وإني آسف جدا لعدم مواصلتكم العمل الذي شئتم أن تجعلوه في متناول الجميع بحفركم هذا الرسم ليكون في عداد مشاهدات رحلاتكم. إني أجهل إذا كنتم عدلتم عن نشر هذه المشاهدات. وفي حالة الإيجاب أرجوكم أن لا تعتبروا طلبي نسخة عن الرسم المشار إليه، وعن معلوماتكم المتعلقة بنقوش نهر الكلب الأخرى، إفشاء للسر. إنه لمن الجائز بعد رجوعكم إلى بيروت أن تتاح لكم فرصة العودة إلى تلك الأمكنة كما فعل صديقي العالم المرحوم سان مرتان. ومن المحتمل أيضا أن تنجزوا عند ذاك رسم الأثر الذي يمثل ملكا عجميا وتنقلوا بدقة المخطوطات المسمارية المتعلقة به؛ هذه المخطوطات التي تبين منها - وفقا لما جاء في رسمكم - أنها تمت إلى طريقتين مختلفتين في الكتابة، وأنها تتضمن اسم الملك الفارسي وألقابه. إن الاسم والألقاب مكتوبة - ولا شك - باللغتين العجمية والسريانية أو بأية لغة أخرى آرامية، كما نرى شبيهاتها الأخرى في برسيبوليس (المدائن) وهمدان وفان

Van, Hamadan, Persepolis .

فسواء أنقبتم مرة ثانية في ضواحي نهر الكلب أو كنتم لا تملكون سوى الملخص والمعلومات التي حصلتم عليها في زيارتكم الأولى، فإني أعلق أهمية كبرى على الطلب الذي التمسته منكم. ويجب أن تتيقنوا - إذا لبيتم طلبي، وسمحتم لي بالتصرف بهذه المستندات القيمة - بأني أجد لذة كبرى في أن أنسب إلى أحد مواطني فخر الاكتشاف الذي يدور حولها.

إنه لمن الطبيعي، في وقت اتجهت فيه بنوع خاص أنظار جميع علماء الآثار إلى القضايا التاريخية والمذاهب الدينية، وآثار آسيا ومصر المصورة، أن تستقبل الإدارة العامة لمجمع علم المراسلات الأثرية - المؤسسة في وقت واحد بروما وباريس ولندرة وبرلين - نبأ وصول السيد لافين إلى نابولي، لتدل الطبقة الراقية على أهمية آثار نهر الكلب وتدعو السائحين المثقفين إلى التنقيب في هذه الأمكنة بأكثر ما يستطاع من اهتمام حتى يومنا هذا، يساعدهم في ذلك رسام ماهر هو السيد بونسون، وزير بروسيا في روما، ورئيس الإدارة وكاتب المقال المنشور في المجموعة الأثرية. إنه كان يجهل تماما أنكم ذهبتم وشاهدتم بأم العين تلك الأمكنة، وأنكم أتيتم برسم الملك العجمي الذي لم يشر إليه في مشاهدة ما، وقد كتبت إليه أعلمه بذلك.

إن إدارة المجمع تعلق أهمية كبرى على نجاح هذه المهمة، ولا سيما أن السيد بانك يصر على عدم نشر مخطوطة نهر الكلب المكتوبة باللغتين أو اطلاع أحد عليها، كما يصر على أن لا يعطي أو يتنازل عن واحدة من الكثيرات التي أتى بها من رحلاته الأخرى.

هل تأملتم طبيعة الصخرة التي نقشت عليها هذه الآثار في نهر الكلب؟ إن البعض يقولون إنها من الحجر الرملي الطري، والسيد لافين يقول إنها حجر أشهب صلب.

رسالة السيد لاجار الثانية (باريس، أول أيلول 1834)

صفحه نامشخص