بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن

مارون عبود d. 1381 AH
132

بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن

بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن

ژانرها

ثم نطالع في محل آخر:

إنه يمكن تخمين قيمة الأعمال التجارية الداخلة إليها بمبلغ 1500000 فرنك، والقيمة العائدة بمبلغ 1800000 فرنك.

وإذا قابلنا بين اليوم والماضي، نجد أن الحالة لم تتغير إلا قليلا، فالتجارة ما زالت تقريبا هي هي،

2

ولكنها انتقلت من أياد إلى أخرى، وهكذا نرى أن بيروت احتلت المركز الذي كانت تحتله صيدا في الأساكل الجنوبية.

وبعد انطلاق تجارنا لاستئناف أعمالهم على أثر الحرب التي تلت غزو مصر، أصبح من المتوجب عليهم أن يختاروا الإسكلة التي يرغبون فيها. وطبيعي أن تنتقل التجارة، التي أصبحت حرة إلى المكان الذي يوافقها أكثر من سواه. وإذا كانت الأساكل الأخرى تضم بعض تجارنا فبيروت تضم منهم عددا أكبر وأوفر ثروة.

إن مجاورتها للجبل جعلت الذين تهافتوا إليها في مأمن من بلص السلطة التركية واختلاسها؛ ففي استطاعة بيروت أن تكفي سوريا بكاملها، ابتداء من طرابلس حتى حدود مصر. إن العادة - وهي مستحكمة عند شعوب هذه البلاد - تحملهم على تفضيل التمون منها بدلا من أن يبتاعوا حاجياتهم من أقرب الأماكن إليهم؛ ولذلك كانوا يقولون إن البضائع التي تشترى من بيروت تكون مملوءة حياة، ولكنها تصبح كالميتة عندما تستورد من الداخل.

أحدث تهافت تجار بغداد والشام والمدن الأخرى في سوريا تزاحما قويا بين البضائع المصدرة. وهذه المزاحمة يستفيد البائع منها دائما، ولا يمكن أن تحصل إذا ما انحصرت علاقاته بالمشترين المحليين فحسب؛ فمن الضروري أن يقوم وسطاء بين البائع بالجملة، والبائع بالمفرق، والمستهلك. وحيث لا تجار يدفعون نقدا أو يقدمون بضائع، نضطر إلى فتح الاعتمادات، ولا يوافق التعامل هكذا إلا مع من يقدمون بعض الضمانة، سواء أكانوا ملاكين أو رأسماليين.

كانت عقود التأمين تكفل سلامة البضائع حتى دخولها بيروت، أما المخاطر التي تلحق بها برا فكانت على عهدة المصدرين. وهذه المخاطر - أي أخطار النقل ومصارفات المرور - تضاعف ثمن الحاجيات وتقف حجر عثرة في سبيل نفود البضائع الزهيدة الثمن، ولا سيما إذا كان متوجبا على تجار يافا ونابلس والقدس أن يتبضعوا من دمشق كما يتبضعون من بيروت. إنهم يجبرون حينذاك على دفع مصارفات نقل باهظة، ورسوم جمارك جديدة، كما أنهم يتعرضون لكثير من المخاطر، وعلى الأخص في فصل الشتاء؛ لأن البلدان التي يقطعونها تخترقها الأنهار، وأكثر هذه الأنهار لا جسور لها. أما من بيروت فتشحن البضائع بأقل نفقة إلى مرافئ الشاطئ، ثم ترسل من هناك إلى الداخل، وبطريقة إبراز «التذكرة» توفر رسوم جمرك ثان.

إن وصول قوافل بغداد هو حدث خطير في دمشق، يعيد إليها مرة في السنة نشاط محلاتها التجارية بعد أن يكون قد اعتراها خمول حياة على وتيرة واحدة. إن قدوم هذه القوافل موسم يحفل بالصفقات التجارية، ولكن هذه القوافل أصبحت نادرة جدا

صفحه نامشخص