بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن

مارون عبود d. 1381 AH
122

بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن

بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن

ژانرها

1

مادته الرابعة.

إن السوريين الذين يتعاطون أعمال تجارتهم مع أوروبا لم يوفقوا دائما في صفقاتهم رغم التسهيلات الجمة التي توافرت لهم، ورجحت كفتهم على التجار الفرنسيين - مزاحميهم في الأساكل - مما جعلهم يرجعون إلى أسلوب تعودوه وفهموه، وهو أكثر انطباقا على عقليتهم وذهنهم.

وأرى أنه لمن الأصح - وفي ذلك مصلحة متبادلة - أن يقوم الإفرنسيون وحدهم بتجارة فرنسا، وأن تبقى التجارة المحلية أو تجارة سوريا في يد العرب. إن هؤلاء هم الوسطاء الطبيعيون بين الفرنسيين الذين يبيعون جملة وأصحاب الحوانيت الذين يبيعون تفاريق، كما هي حالة هؤلاء الآخرين بين التجار الوطنيين والمستهلكين، وعندما تتبع هذه القاعدة في سير الأعمال يصبح كل شيء طبيعيا. إني لم أجد تاجرا فرنسيا أو بائعا عربيا لم يقر بأن الاستمرار على الطرق القديمة هو أفضل من اتباع الطرق الحديثة. إنهم كانوا يرغبون جميعا في هذا الانقلاب. ومع ذلك فإن أحدا منهم لم يكن يهتم بالمطالبة به. إن مثل هذا الانقلاب يجب أن تكون النكبات مركبته.

فالإفرنسي يجيد معرفة إنتاج بلده. ولما كان هذان البلدان مضطرين للمقايضة بمنتوجاتهما ، فمعلومات هؤلاء التجار - إذا ما اجتمعت - تحملهم على توسيع نطاق أعمالهم وتجارة بلدهم، فتتضاعف أرباحهم.

إن العرب - وهم لا يميلون إلى التجديد - لا يمكنهم طلب أشياء يجهلون وجودها؛ فلو كان لدى المؤسسات الفرنسية في الأساكل ممثلون في مرسيليا لكان بإمكانها أن تفاوض مصانع المملكة؛ وهكذا فإنها تقوي نفوذها بفتحها منفذا لأصحاب المصانع الغاصة محلاتهم بالبضائع؛ لأنه لا يمكنهم توريدها على حسابهم؛ نظرا لعدم وجود ضمانة أخلاقية توحي الثقة.

إن مزاحمة الأوروبيين للعرب هي في غاية الصعوبة، لا سيما وأن هؤلاء يتمتعون بامتيازات كبيرة لم تتوافر لأولئك؛ إنهم لا يدفعون أجور المحلات أو المخازن أو رواتب المستخدمين، وهم بغنى عن المصارفات الأخرى التي تتطلبها التجارة، ناهيك بأنهم يقومون بنوع من الأعمال لا يجارون فيه، ألا وهو أنهم يمدون ويدينون أبناء الجبل من أمراء ورجال دين، وخواص وعوام، مالا بربا فاحش تسليفا على موسم الحرير، أو يقدمون لهم ملابس وحبوبا بثمن باهظ.

إن السوريين يحبون هذا النوع من الضروب التجارية؛ لأنه لا يتطلب تداول جميع الأموال في وقت واحد، وهو لا يمنع من يقوم به من مزاولة أعمال تجارته الخاصة التي تدر عليه، وينصرف إلى سائر أعماله بما تبقى له من رأس مال.

إن الاعتمادات التي يمكن تجارة أوروبا أن تمد بها هي التي تشجع التاجر العربي. إنه يعتبرها بمثابة بنك يمكنه أن يستدين منه ما يعوزه من مال؛ ومن ثم فإنه يمكننا أن نجعل مضرب المثل قولنا: إن الاعتماد هو قلب التجارة عند شعوب هذه البلدان هنا؛ ذلك لأن العرب لا يتاجرون إلا بالمبالغ التي يقرضونهم إياها. إن المبالغ المسلفة التي يدينهم إياها تجار أوروبا تكون بفائدة ستة بالمائة، مع أن الفائدة التي يطلبها أبناء سوريا هي عشرون بالمائة. أما الذين يقرضون بفائدة تراوح بين 36 و40 بالمائة عن كل سنة، فعددهم كبير جدا، فإذا اتخذت مثل هذه التدابير التي تلائم العرب فسوف لا يفكرون إلا ببيع البضائع التي قدمها لهم عملاؤهم وترويجها وقبض أثمانها.

إن العربي لدى تسلمه البضائع يفكر بما يحتاج إليه من المال في أعماله التجارية، أكثر مما ينظر إلى الظروف الملائمة للبيع. إن كل شيء هنا يعمل حسب مقتضيات الحال، وعندما تبدو هذه الضرورة، لا يهتم تاجر هذا البلد بالخسارة التي ستلحق به؛ وهذا أحد الأسباب الهامة التي تجعل مزاحمة العرب شؤما على الأوروبيين.

صفحه نامشخص