210

25

بدا لي أن التعليق يجب أن يكون تقريريا، مقتضبا، لا أثر فيه لنبرة إثارة أو أسى؛ فما قيمة أي كلمة حماسية بلاغية أمام الصور الدامغة لمشاهد القتل والحرق والتدمير؟ وخالجني الشك لحظة في جدوى التعليق على الإطلاق، ثم تذكرت أن للفيلم متطلبات كثيرة حتى تدب فيه الحياة، يمكن أن يكون الصوت البشري أحدها.

كان علي أن أتخلص من أغلب العناوين الأصلية، أو بمعنى أصح أدمجها في تعليقي. كما أن حجم هذا التعليق كان يجب أن يسير متوازيا مع حجم المادة. وفي أحيان كثيرة يجب أن يتزامن الصوت مع مشاهد بعينها.

استعنت بقائمة أنطوانيت المبتسرة التي سجلت زمن كل لقطة. وكنت أعرف أن العشرين ثانية على الشاشة تستوعب، في المتوسط، ثلاثين كلمة، فسجلت عدد الكلمات المطلوبة لكل مشهد يتألف من لقطات متعددة. وأمكنني ذلك أن أحدد حجم المادة المطلوبة كتابتها.

وقررت أن أتعامل مع التعليق كنص متكامل، ذي بداية ونهاية، لا كمجموعة من التذييلات الملائمة للمشاهد. ومع ذلك كان علي أن أراعي بعض المشاهد التي تحتاج إلى إيضاح، والأخرى التي لا تحتاج إلى كلمة واحدة.

انقطعت تماما للعمل، ولم يحل ظهر الخمس إلا وكنت قد انتهيت من مسودة التعليق. وراجعتها بدقة من مختلف الزوايا، سواء من ناحية منطقية التسلسل، أو سلامة اللغة وسلاستها، أو النظرة السياسية، أو الدقة في المعلومات، وأولا وأخيرا التزامن مع مشاهد الفيلم ولقطاته.

أمدني ضيق الوقت بالحماس، فعكفت على كتابة نسخة أخيرة سليمة، إلى أن انتزعني رنين التليفون من استغراقي.

رفعت السماعة، فجاءني صوت أنثوي غريب لم أتعرف عليه: أستاذ ...؟

قلت: أهلين.

قالت: أنا جميلة.

صفحه نامشخص