بيروت البكاء ليلا

شوقی عبد الحکیم d. 1423 AH
17

بيروت البكاء ليلا

بيروت البكاء ليلا

ژانرها

المدينة كانت قد بدأت يقظتها، دويها اليومي مع مطلع ضوء النهار البيروتي، والحرب الأهلية العنصرية تعتصر رحيق أناسها وشوارعها.

ها هو الشارع في بيروت.

سعال صغرى الفتاتين لا ينقطع، بينما الأخرى تعدد مصائب بيتهم الريفي وضيعتهم الجبلية ذات الفردوس الصغير المفتقد الذي كان.

وتصور المشهد عبر أسطح العمارات الممتدة من حوله، العالية بجدائلها السوداء تقف في شرفتها مطلة على الوالد الهرم، مفتش البريد والبرق العتيد بسترته الداكنة وحقيبة يده الجلدية خارجا عبر طرقة حديقته المتعرجة، ومثلت الجنود الفاشست يطبقون عليه من أضلعه العدة مطلقين النيران في لحظة متقاربة.

الأب يسقط على وجهه في طين حوض زهور البنفسج، ومن حقيبته تتناثر الخطابات.

العالية تلطم وتسعل بشدة بلا صوت.

ولم يكن هناك بد من الخروج.

عاد المهاجر متخليا عن الشرفة، باحثا عن معطفه الجبردين إلى داخل الشقة.

وحين غطس بوجهه الطويل الضامر العظمي في ماء حوض غسيل الحمام الدافئ قال: تكفي مرة واحدة، حاله، البكاء ليلا، يكفي ما جرى، لولا ذلك الصول المكرش السمين، تذكر تعبيرات وجه، انكماشه بعيدا بحذاء الجدار المشاد من الآجر الأحمر، ويبدو أنه غطى جانب وجهه الملحم بقبضتيه يرقبه عبر أصابعه، بنفس ما فعلته الأخت الكبرى ... الماجدة، منذ هنيهة، حين أطلت عليه من مثلث ساعديها الصفراويين، وهي تصف الطريقة.

أزاح الصابون عن عينيه، فالشمالية تعاني آثار رمد قديم: حين أحاطت شلة الجند بالوالد في حديقة البيت، ودوت الطلقات، وسقط مدير البوستة، غاص وجهه بلا تعبير في طين حوض الورد ورغامه.

صفحه نامشخص