بين الجزر والمد: صفحات في اللغة والآداب والفن والحضارة
بين الجزر والمد: صفحات في اللغة والآداب والفن والحضارة
ژانرها
نشيد شوقي ونشيد الهراوي عذبان يظهر فيهما ما امتاز به الذوق المصري من: حسن اختيار الألفاظ، وسلاسة التركيب، ومتانة السبك، ولكن هل هما يفيان بالمقصود؟ وهل يبقى الأول نشيدا قوميا على الدوام؟ هذا سيحكم به المستقبل. •••
ابتاع أحدهم مرة بيانو، ومضى إلى معلم كان يعلمه الموسيقى، فأخذ يصف له حلاوة تلك الآلة ولطف طنينها، فقال المعلم: ليست المسألة مسألة حلاوة ولطف، إنما يجب أن تكون آلتك ذات اقتدار على إرسال جميع الأصوات التي وجدت لأجلها وتأدية جميع المعاني المطلوبة منها. عليها أن تكون هائلة عند الهول، ناعمة وقت النعومة، متحمسة وسط الحماسة، ممتثلة راضية ساعة الرضى والامتثال.
وهذا القول ينطبق على النشيد المصري؛ إنه «حلو كثيرا» وينقصه «شاربان»، ينقصه قصف المدافع، ورنين الأجراس، وزفير اللهيب، وزغردة النساء، وهتاف الثوار، وقعقعة قيود الذين سجنوا لأجل الحرية، وأنين الذين قتلوا في سبيلها.
ينقصه مواكب النعوش الملفوفة بالألوية الحمراء، وضجيج الجماعات حولها «ليحيا ذكر شهداء الحرية!»
محروسة!
في 16 يناير 1923
تستأنف «المحروسة» الصدور اليوم بادئة عامها التاسع والأربعين، بعد أن أوقفت عامها الثامن والأربعين بطوله تقريبا.
يقال: إن اسم «المحروسة» أطلق على القاهرة لاعتقاد السكان بأنها محفوظة بقوة سحرية، أو روحانية، تحمي منها الربوع والآثار؛ فلذا ترى ما فيها محفوظا ثابتا بينا آثار البلاد الأخرى تتداعى وتتهدم، وإن كانت أحدث عهدا.
فبديهي إذن أن نتوهم أن القوة التي تخفر مدينة الأهرام وأبي الهول تهيمن كذلك على كل ما سمي باسمها وتشمله بالعطف والرعاية. فإن هذه الصحيفة أوقفت ثلاث مرات منذ مطلع الحركة الوطنية سنة 1919، ولعلها أصيبت أكثر من جميع الصحف المصرية، ولكنها سلمت من الأذى كل مرة، محروسة بالقوة الخفية التي تخفر هذه المدينة العظيمة.
وكما أن آثار الجراح هي أنبل الأوسمة للجندي، «فالمحروسة» تحمل علامات جهادها الثلاث أوسمة حقيقة بأن يكون لها مكانها في متحف تذكاراتها الثمينة.
صفحه نامشخص