بين الأسد الأفريقي والنمر الإيطالي: بحث تحليلي تاريخي ونفساني واجتماعي في المشكلة الحبشية الإيطالية
بين الأسد الأفريقي والنمر الإيطالي: بحث تحليلي تاريخي ونفساني واجتماعي في المشكلة الحبشية الإيطالية
ژانرها
2
هل مصر أقل من الأحباش، أو المكسيك، أو كولومبيا، أو العراق، أو الفرس؟ نعم إذا تساوينا، وفاقت مصر في بعض الشئون، إلا أن هذه الأمم تتمايز باستقلالها القومي أو حكمها الذاتي، أليست مصر دولة حرة ذات سيادة؟ ولو فرضنا أن هذا الاستقلال نظري، ألا يعادل استقلال الهند أو كندا، وكلتاهما عضو في العصبة؟!
وقد صدق من قال إن «مصر بلد في هذا الجانب من الشرق بمكان القلب للطائر يرفرف بجناحيه في أفريقيا وآسيا، وبذيله على قلب القارة السوداء.»
3
عصبة الأمم والمشكلة الحبشية
إن المشكلة الحبشية أعوص مسألة عالجتها جامعة الأمم منذ وجودها، وبقاء هذه العصبة أو زوالها رهينان بنجاحها أو فشلها في الوصول إلى نتيجة تؤيدها وتعيد هيبتها في نفوس الأمم والحكومات، فإن لم تصل إلى هذه الغاية من استتباب السلام العالمي، وتحقيق الأمن بين الأمم، فعليها العفاء، لا عليها السلام!
وترجع تلك المشكلة في صورتها الحديثة إلى مسائل معلقة خاصة بتعيين الحدود والمنطقة المحايدة بينهما، وطلب إيطاليا الخاص بتعويض عن حادثة «وال وال»، وتفسيرها لنصوص معاهدتي 1906 و1925 تفسيرا يخالف ما تذهب إليه الحبشة.
وقد دارت في أول الأمر بين الدولتين (وهما عضوان في عصبة الأمم) مفاوضات سلمية، بقصد تسوية النزاع بينهما تارة في روما، وطورا في الحبشة نفسها، وكانت هذه المفاوضات تنجح حينا، وحينا يبدو عليها الحبوط، وطريقها بتبادل الآراء بين مندوبين مفوضين من المملكتين بالمذكرات المكتوبة. وبدأت في أواخر فبراير، وأوائل مارس سنة 1935، وإن كان النزاع يرجع إلى أوائل سنة 1934، ومنذ الساعة الأولى ألقت الحبشة اللوم على كاهل إيطاليا كلما أنذرت المفاوضات بالفشل.
وصرح ممثل النجاشي بأن لا وسيلة لنجاح المفاوضات وضمان السلم غير عدول إيطاليا عن خطة المعاندة، ورغبتها الإجحاف بحقوق الحبشة، وطلبت الحبشة تحقيقا عادلا قبل المناقشة في مطالب إيطاليا، وأصرت في مذكرة بعثت بها إلى روما على طلب جواب صريح عما إذا كانت مستعدة لعرض المسألة كلها على التحكيم الدولي.
وتشبثت الحبشة بهذا الطلب العادل؛ لأنه ينطبق أولا على روح العصر الجديد في السياسة الدولية، ويتفق مع دستور عصبة الأمم الذي أقرته الدولتان بالانضمام إليها، وتشبثت إيطاليا بمعارضة طلب التحكيم، وقالت الحبشة: «لو كانت إيطاليا على حق ما عارضت في التحكيم ، وإذا صح أن أثق بالمحكمين وأضع حظي في أيديهم، فليس لدى إيطاليا ما يمنعها من سلوك خطة تماثل خطتي.»
صفحه نامشخص