إلى التفات النبت
ذا خفة وثبت
فنغم الهدير
فهذر العصفور
فقمت لملاقاتها، أعد العين برؤية وجهها، والفم بتقبيل وجناتها، وكانت لابسة ذات المطرف الذي رأيتها به أول ليلة رقصت معها، وكان زي شعرها مثله يومئذ، فلما دنوت منها أخذتني هزة مثل الهزة التي شعرت بها يوم خاصرتها، ولم أعد أعي ما أقول وما أفعل، ونسيت ما كنت هممت أن أقوله لها، ولم أقف الوقفة التي كان يجب علي أن أقفها، وخفت أن أوجه إليها أنظاري وأصرفها، فابتدرتها بالسلام، فمدت إلي يدها البيضاء، وردت السلام بأحسن منه، ثم قالت: إني أحمد الظروف التي أسعدتني بلقاك، وإني أشكر الإله الذي سمح لي بأن أشاهدك وأراك.
فأجابها البارون قائلا: إنني ضربت موعدا لصاحب لي، وأنا ذاهب إليه فهل تأذنين لي؟
فقالت: بقدر ما يسرني لقاء مكسيم يسوءني فراقك، وأنا الآن رابحة وخاسرة بوقت واحد.
ولما ذهب البارون ابتدأت الموسيقى بضرب الألحان الرخيمة، وأخذ الممثلون بتمثيل أدوارهم، فأجادوا إلقاء وإيماء، وكانت خلاصة الفصل الأول حبيبين يتبادلان عبارات الغرام، ويشرحان هواهما، وحينما انتهى الفصل الأول هممت أن أقبل يديها، وأركع على قدميها، وأفتح لها كتاب الغرام الذي آن لها أن تقرأه وأخبرها أني أهواها، وأروم الاقتران بها، وأن عمها يود ذلك ويتمناه، ولكن خانتني قواي، وتوقف الكلام على فمي، وخفق قلبي، فقالت: أتظن يا مكسيم أن غيبة عمي تطول؟
فقلت: إنه آت عن قريب وقد أكد لي ذلك.
وابتدأ الفصل الثاني، وتلاه الثالث، وفيه التقى العاشقان بعد الفراق الطويل، وأسعدا بعد العناء والشقاء، فرأيت لويزا صامتة لا تبدي حراكا لشدة تأثير التمثيل عليها، ثم إن الممثل أخذ حبيبته بين يديه، وضمها إلى مذبح الحب، وقبلها قبلة دوى منها المرسح، وتأثر لها كل الحضور فنظرت عندئذ إلى لويزا، فرأيت عينيها ممتلئتين بالدموع، وكأنها طربت لحديث الحب السماوي، وسرت لاجتماع الحبيبين بعد العذاب والتبريح، ثم إن الدمع غلب عليها، فتركتني وذهبت إلى القاعة بسرعة فتتبعت خطاها، فجلست على المقعد وجعلت تبكي وتتأوه مثل الطفل الصغير، فجلست على قدميها وأمسكت يديها، ثم ضممتها إلى صدري، وجعلت ألاطفها، ثم قلت: لماذا تبكين يا حبيبتي؟
صفحه نامشخص