بين الدين والعلم
بين الدين والعلم: تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى إزاء علوم الفلك والجغرافيا والنشوء
ژانرها
غير أن ذلك الشعور الذي رأينا من قبل كيف كان تأثيره في الكنيسة خلال عصورها الأولى، شعور أن البحث والدرس لا فائدة منهما، وأنهما لغو باطل على اعتقاد أن نهاية العالم قد قربت، وقد عبرت عنه نصوص «العهد الجديد» - الأناجيل - بأجلى بيان، وردده بأعلى صوت رجال عظام مثل لاكتانتيوس والقديس أوغسطين، قد صدر تيار ذلك الفكر العلمي عن أن ينبعث في تلك السبيل القيمة قرونا عديدة. غير أن الميل الأقوم من صفات الإنسانية قد ظل محققا وجوده خلال الأزمان. والحقيقة أن تأثير شب من ثنايا الكتب العبرانية المقدسة قد دفع الإنسانية بقوة نحو تلك الغاية؛ فإنك ترى أنه على الرغم مما كان من الممكن أن يقول لاكتانتيوس أو القديس أوغسطين في حماقة الإكباب على درس الطبيعة؛ فإن تلك المقاطع الضخمة التي تتضمنها المزامير في وصف جمال الخلق وعجائبه، مصبوبة في ذلك القالب الشعري الرائع، قد أظهرت للناس نبالة الإكباب على درس الطبيعة حتى بين أولئك الذين كان يبعدهم منطقهم عن الاهتمام بدرسها.
غير أنه كان من الطبيعي أن تصب كل هذه الدراسات - وعلى الأخص في أحضان الكنيسة الأولى وخلال العصور الوسطى - في قالب لاهوتي صرف؛ فإن الاستعماق في درس أسرار الطبيعة لم يكن في نظر أهل الدين إلا ضررا تتناول آثاره الجسم والروح. حتى لقد كان يعتبر هذا الدرس سقيما لا قيمة له ما لم يكن الغرض منه تقرير شيء جاءت به الأناجيل أو تفسير شيء روحاني. ولم يكن ينظر في هذا الأمر نظرة اعتبار جديرة به إلا إذا اتجه الباحثون فيه إلى إظهار عظمة الله والأغراض التي رمى إليها عندما فكر في الخلق وأوجد الخليقة. أما مؤلف أرسطوطاليس الخالد فقد غشي عليه وأهمل ولم يعره متقدمو المفكرين من أهل الكنيسة اهتماما ولا عرفوا له مقاما؛ حتى لقد تجد أنه قليلا ما حاول اللاهوتيون أن يمسخوه إلى شيء مخالف تمام المخالفة لروحه العامة ولأسلوبه؛ إهمالا لشأنه وعمى عما فيه من الحق الثابت. ولقد استعاضوا عنه بالفزيولوغوس
11
والزولوجيا الخرافية
Bestiaries - أي علم الحيوان الخرافي - جامعين في ذلك بين نصوص من الكتب المقدسة، وخرافات القديسين، وتخيلات ما نزل بها من سلطان، جمعت بين روح التقوى وبين الغفلة التي هي لزام روح الطفولة في غرارتها. ولقد حلت السلطة - سلطة الكتب المقدسة كما فسرها الفزيولوغوس والزولوجيا الخرافية - محل البحث العلمي. أما هذه الكتب فقد ظلت نبع الفكر الذي استقى منه المعرفة تلقاء العالم الحي أكثر من ألف شداد من السنين.
ولقد ظهر بعض الخوف حينا بعد حين بين زعماء الكنيسة ورءوسها من بحث في الخليقة بلغ هذا المبلغ من الضعف والفساد. ففي القرن الخامس قرر مجمع ضم رؤساء المذاهب الدينية تحت رئاسة البابا «غيلاسيوس»
Gelasius
وانتهر الفزيولوغوس، بل وجه إليه لوما وتعنيفا. غير أن نزعة البحث في الطبيعة كانت قوية فتية، حتى إن الكتاب الكبير الذي وضعه القديس «باسيل» في الخليقة
Creation
قد استمد من الفزيولوغوس أمثالا كثيرة تعبر عن العظمة القدسية. وكان من نتيجة ذلك أن أجازه البابا «غريغوري الكبير»
صفحه نامشخص