كان الباب مغلقا ومشمعا ومختوما، وما كدنا نقف هنيهة حتى جاء عسكري معين على ما يبدو لحراسة الباب، وحين وجدنا نحوم حوله جاء مصوبا إلينا نظراته الشاكة الحادة، وبسؤال أو سؤالين كنا قد استطعنا تضليله إلى حد ما وهبطنا في السلالم على عجل. وحين رآنا عم حسن بائع السجائر نتستر بالمارة لنغادر الحي كله بسلام خرج من دكانه ونادى علينا، وكدنا نتجاهل النداء لاعتقادنا أنه يريد «الحساب»، ولكنه انزوى في ركن معنا يفهمنا أن البوليس جاء في منتصف ليلة الأمس وفتش المجلة، وهبط ومعه دوسيهات وأوراق كثيرة، وترك عسكري ومخبرين، الجدع اللي واقف هناك دهه مدخل إيده في فتحة الجلابية واحد منهم، والتاني راح باينه يتغدى.
وفقط حين ابتعدنا كثيرا حتى أصبحنا قريبا من ميدان الإسعاف بدأت أشعر بحقيقة ما حدث، والتفت شوقي ، وكانت في وجهه نظرة جادة عميقة قليلا ما كنت أراها، وقلت له: أنت عارف الرد يكون إيه؟
وكل ما فعله أن ألقى علي نظرة جانبية، قلت: إن المجلة تطلع بكرة.
وأنا نفسي عجبت لكلامي؛ فليلة الأمس بالذات كانت أقصى أماني أن أترك سانتي والمجلة وهذا العمل الذي لم أعد أومن إيمانا عميقا بجديته، فكيف يعاودني الإيمان بهذه السرعة وبتلك الدفقة المفاجئة من الحماس؟
قال شوقي: تفتكر نقدر؟
قلت: مش أفتكر، د لازم تطلع بكرة، ونقول فيها برضه إننا نأسف لأن المجلة لم تصدر بالأمس لأسباب «فنية».
ولاحت بسمة خفيفة سريعة في حدقتي شوقي وهو يقول: ونخلي المانشيت: أيها الشعب تحرك.
وحسبته يهزل، ولكنه كان جادا، وبدأنا نضع الخطة والبحث عن الزملاء المحررين وتجميعهم، والبحث عن مطبعة جديدة غير مطروقة وإكمال كتابة المواد أثناء جمع المواد الموجودة ثم الطبع.
وأعجب ما حدث لنا يومها أننا حين ذهبنا إلى مطبعة الدار الصحفية التي كنا نطبع فيها وعرف صاحب الدار بوجودنا، فجأة رأيناه يقبل ناحيتنا. كان علينا بعض الديون، ولكن الابتسامة الغريبة التي كان قادما بها لم تكن ابتسامة مطالب بدين. سلم علينا وما لبث أن وضع إحدى يديه على كتفي والأخرى على كتف شوقي وقال: ماجيتوش تطبعوا امبارح ليه؟
اكتفينا بأن نظرنا له كمن نقول: أنت أدرى بالسبب.
صفحه نامشخص