وأسهب في الكلام على شرط البلاغة في الخطبة وهي تعني إبلاغ المعنى إلى السامع بكلام واضح فصيح موافق لمقتضى الحال.
بيد أن الجاحظ طرق ناحية لم يحفل بها أرسطو هي الموازنة بين الموهبة الخطابية عند مختلف الأمم. وقد رأى أن العرب أخطب الأمم قاطبة لحضور بديهتهم وزرابة لسانهم وفطرتهم المطبوعة.
وتنبه إلى مكانة الخطيب الخطيرة التي بدأت ترتفع منذ العصر الأموي بينما أخذت مكانة الشاعر تنحط. وعزا سبب ذلك إلى اتخاذ الشعر مطية للتكسب وإلى تعاظم شأن الخطابة للحاجة إليها ولمعالجتها أمورا سياسية ودينية خطيرة. وأوضح رأيه بقوله: «كان الشاعر في الجاهلية يقدم على الخطيب لفرط حاجتهم إلى الشعر الذي يقيد عليهم مآثرهم ويضخم شأنهم ويهول على عدوهم ومن غزاهم، ويهيب في فرسانهم ويخوف من كثرة عددهم ويهابهم شاعر غيرهم فيراقب شاعرهم. فلما كثر الشعر والشعراء واتخذوا الشعر مكسبة ورحلوا إلى السوقة وتسرعوا إلى أعراض الناس صار الخطيب عندهم فوق الشاعر ...» «١» .
وثمة سبب آخر دعا المتكلمين إلى الاهتمام بعلم البيان واللغة العربية لأن اللغة العربية لغة القرآن الذي ينطوي على الوحي والشريعه وعليه مدار أبحاثهم، وعلى قدر تضلعهم منها يكون إدراكهم لمعاني القرآن وتمكنهم من تأويل آياته وقد عبر الجاحظ عن هذه الناحية بقوله: «فللعرب أمثال وانتقادات وأبنية، وموضع كلام يدل عندهم على معانيهم وإرادتهم. ولتلك الألفاظ مواضع أخر ولها حينئذ دلالات أخر. فمن لم يعرفها جهل تأويل الكتاب والسنة والشاهد والمثل، فإذا نظر في الكلام وفي ضروب من العلم وليس هو من أهل هذا الشأن هلك وأهلك» «٢» .
1 / 10