التي كانت في لسانه، والحبسة التي كانت في بيانه: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي.
وأنبأنا الله ﵎ عن تعلق فرعون بكل سبب، واستراحته إلى كل شغب، ونبهنا بذلك على مذهب كل جاحد معاند، وكل محتال مكايد، حين خبرنا بقوله: أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ. وَلا يَكادُ يُبِينُ.
وقال موسى ﵇: وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي
وقال: وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي
رغبة منه في غاية الإفصاح بالحجة، والمبالغة في وضوح الدلالة، لتكون الأعناق إليه أميل، والعقول عنه أفهم، والنفوس إليه أسرع، وإن كان قد يأتي من وراء الحاجة، ويبلغ أفهامهم على بعض المشقة.
ولله ﷿ أن يمتحن عباده بما شاء من التخفيف والتثقيل، ويبلو أخبارهم كيف أحب من المحبوب والمكروه. ولكل زمان ضرب من المصلحة ونوع من المحنة، وشكل من العبادة.
ومن الدليل على أن الله تعالى حل تلك العقدة، وأطلق ذلك التعقيد، والحبسة، قوله: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي. وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي. وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي. اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي. وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي
إلى قوله: قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى
. فلم تقع الاستجابة على شيء من دعائه دون شيء، لعموم الخبر.
وسنقول في شأن موسى ﵇ ومسألته، في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله.
وذكر الله ﵎ جميل بلائه في تعليم البيان، وعظيم نعمته في تقويم اللسان، فقال: الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ
، وقال تعالى: هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ
، ومدح القرآن بالبيان والإفصاح، وبحسن التفصيل والإيضاح، وبجودة الإفهام وحكمة الإبلاغ، وسماه فرقانا كما سماه
1 / 31