حسن السندوبي، وعبد السلام هارون. وقد بذلا مشكورين جهدا في التحقيق والشرح والفهرسة. ولكنهما أغفلا ناحيتين هما المنحى الفلسفي والتبويب. أما المنحى الفلسفي فسأعالجه في المقدمة والشرح. وأما التبويب فأعني به تجزئة الكتاب ووضع عناوين لموضوعاته وفقره. إن العناوين التي نلفيها في الطبعات السابقة قاصرة، ولا تنطبق في معظمها على الموضوعات التي يدور حولها الكلام، وهي على الأرجح من وضع النساخ الذين قبسوها من بداية الفقر.
وأما تجزئة الكتاب فلم يقطع بها بشكل نهائي ومنطقي. لقد قسمه السندوبي ثلاثة أجزاء، وقسمه عبد السلام هارون أربعة وترجح بين تقسيم المؤلف، وتقسيم المصنف، ويعنى به الناسخ أحمد بن سلامة بن سالم المعري، الذي فرغ من عمله سنة ثلاث وثمانين وستماية هجرية، فأثبت الاثنين معا: فالجزء الثاني ذو بدايتين، بداية أولى حسب تجزئة المؤلف أي الجاحظ، وبداية ثانية حسب تجزئة المصنف، وبينهما ٢٠٧ صفحات فقط. أما الجزء الثالث فقد اتفق المؤلف والمصنف والمحقق في بدايته ولكن المحقق انفرد عنهما بأن اجتزأ نحو مائة صفحة من آخره وجعلها جزءا رابعا مع الفهارس.
والواقع أن الجاحظ جعل الكتاب في ثلاثة أجزاء، والدليل على ذلك أنه ابتدأ كلا من الجزء الثاني والثالث بعبارة تعلن بدايته وانتهاء سابقه. فالجزء الثاني يبدأ بالعبارة التالية: «أردنا أبقاك الله أن نبتدئ صدر هذا الجزء الثاني من البيان والتبيين بالرد على الشعوبية في طعنهم على خطباء العرب وملوكهم ...» .
وفي مطلع الجزء الثالث نلفي العبارة التالية المماثلة: «هذا أبقاك الله الجزء الثالث من القول في البيان والتبيين ...» . ولقد اعتمدنا على هذا الدليل الواضح والتزمنا بتجزئة المؤلف وقسمنا الكتاب ثلاثة أجزاء.
ويعني الجاحظ بالبيان الدلالة على المعنى، وبالتبيين الإيضاح. وقد عرف الكتاب خير تعريف بقوله الوارد في مطلع الجزء الثالث: «هذا أبقاك الله
1 / 6