قال أبو سعيد: يخرج عندي في معاني قول أصحابنا ما شبه ما حكي من الاختلاف في إمامة الأعمى، وأما ما ذكرت من استخلاف النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن أم مكتوم في المدينة يصلي بالناس، فلعله ذهب في ذلك في الصلاة على ما قد قل من يجيز إمامة الأعمى، وقد قيل: إنما جعله يعلم الناس دينهم، وثبوت استخلافه على المدينة لغير تعلم تدخله العلل، والدين يصح، وما صح فهو أولى، وما دخلته العلل أمكنت فيه المقالات، وقد قيل: إنه أصل ما ذهب إليه من لم يجز إمامة الأعمى، /26/ إن الأعمى إنما هو في الأصل استقبل القبلة على وجه التحري، والذي من خلفه من البصراء استقبلوا القبلة على علم ويقين، ويخرج في معاني الاتفاق أنه لا يجوز اتباع المتحري القبلة لمعنى تجربة، ولو كان المتبع له إنما هو يتحرى، إلا على علم أن يقع للمتبع له تحري ما قد تحرى، وأما إجازة إمامته فلمعنى دخوله في جملة المسلمين، ولأنه مع من صلى معه على يقين، ولو كان عند نفسه على ما تحرى، فإن المؤتم على اليقين لا على تحري، فإذا حضر الأعمى والبصير من المسلمين كانت إمامة البصراء إذا استووا في حالهم أحب إلينا وأثبت، بمعنى الاتفاق عليه، وإذا فضله الأعمى كانت إمامة الأعمى أحب إلينا، لثبوت تقديمه في جملة المسلمين، وثبوت الفضل.
مسألة: قال أبو بكر: روينا عن عائشة أنها كانت يؤمها غلام لها، وأم أبو سعيد ملى بني أسيد، وهو عند نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، منهم حذيفة وابن مسعود. ورخص في إمامة العبد إبراهيم النخعي والشعبي والحسن البصري والحكم وسفيان الثوري والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحاب الرأي، وكره ذلك أبو مخلد. وقال مالك: لا يؤمهم إلا أن يكون العبد قارئا، ومن تبعه من الأحرار لا يقرؤون، إلا أن يكون في عيد أو جمعة، فإن العبد لا يؤم فيها، ويجزي في عيد إن صلوا وراءه.
صفحه ۱۹۲