قال بعض المحققين: ولهذا كانت السفسطة حالا تعرض في هذا، وهذا، وليست مذهبا لأمة من الناس كما يظنه بعض أهل المقالات وإنما هي حال عارضة لكثير من الناس وهي تكثر وتقل، وما من صاحب مذهب باطل إلا وهو مرتكب للسفسطة شاء أم أبى، ولو تقرر عند المخالف أن الله حكيم عليم يضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها لعلم أن مثل العدل والإنصاف والظلم والاعتساف، والصدق والكذب بالنسبة إلى شرعه وتكليفه الذي يتعلق بالثواب والعقاب متباينان غاية التباين، متفاوتان غاية التفاوت، وأنه يستحيل في حكمته التسوية بينهما وأن يكونا على وتيرة واحدة، ومعلوم أن هذا هو المعقول عند ذوي العقول القائلين بحكمة الله العزيز الحكيم.
فصل
ولو ذهبنا نستقصي ما شهد به العقل من تحسين وتقبيح في كثير من الأحكام، وما يحكم به العقلاء من ذلك وتشهد به عقولهم على اختلاف أحوالهم وتباعد ديارهم لم نجد إلى استقصاء ذلك سبيلا، فالمعتمد هو العلم الضروري الذي ذكرناه فإن كل عاقل يحكم بحسن الصدق النافع وقبح الكذب الضار، وحسن رد الوديعة والإنصاف وإنقاذ الغريق، وقبح الظلم والتعدي وإيذاء الحيوان بغير فائدة، ومن كابر في ذلك فقد كابر مقتضى عقله ولو لم يكونا عقليين لم تكن هذه الأحكام مركوزة في عقول العقلاء وسائر ما قدمناه من الأدلة العقلية الضرورية والاستدلالية.
فصل
وأما الكلام في الأدلة السمعية والبراهين العقلية:
صفحه ۳۶