لكن البدعة النباتية قد جاوزت المتصوفين إلى الشعراء والأدباء، فكان بيرون وشلي يعلنان هذا المذهب، ولا يأكلان اللحوم أمام الناس، وإن شك الكثيرون في التزامهما هذا المذهب وراء الناس!
وكانت الدعوة الاشتراكية في إبانها، ومعها الدعوة إلى استخدام الفن في عرض الآراء الاجتماعية.
فكانت لندن جوا ثقافيا صالحا يتنفس فيه عقل الأديب الناشئ، الذي تهيأت له رسالة في الأدب العالمي من قبيل رسالة برنارد شو.
وقد كانت أمه تعيش في صميم هذه البيئة الفنية الثقافية؛ إذ كانت تحترف الموسيقى، وكانت بنتها الكبرى تحترف الغناء، ثم اشتغلت بالحركة الصوفية الروحية بعد وفاة بنتها الصغرى (1876)، عسى أن تتصل بروحها على نغمات الألحان كما كان يفعل بعض المحضرين للأرواح.
ويعتقد النقاد - كما يعتقد شو نفسه - أنه مدين لوالدته بتوجيه فطرته وتوجيه بيئته.
فمنها ورث ذوقه الموسيقي الذي يكاد يضارع في العمق والأصالة عبقريته الأدبية، ومنها ورث الصلابة التي لا تبالي بمخالفة العرف والتمرد على سلطان التقاليد، ومنها ورث البنية السليمة؛ لأنها على الرغم من طول مراسها لمضانك الفاقة قد نيفت على الثمانين، ومن البيئة التي عاشت فيها تعلم الاهتمام بالدعوة الصوفية النباتية، فأصبح من النباتيين. •••
وصل برنارد شو إلى لندن وهو يناهز العشرين، وكان مولده في دبلن (في السادس والعشرين من شهر يوليو سنة 1856).
وبين هذين الأبوين اللذين لا مشاركة بينهما في غير الثورة على التقاليد والاستخفاف بالتقاليد، درج برنارد الصغير.
درج وهو مفتح الذهن والعينين، وتعلم القراءة وهو في نحو الثالثة، ومن أقواله المأثورة إنه ولد قارئا ... وإنه لا يذكر زمنا كان فيه من الأميين!
وكان له خال طبيب بحري، فكان يستمع إلى أقاصيصه عن بلاد العالم وأممه وراء البحار.
صفحه نامشخص