في 1946 بلغ برنارد شو التسعين، وكان لا يزال نشيطا سليم الصحة، يسير كل يوم في الحقول ويشذب الأشجار ويتسلقها، ومعه فأس، يكسر منها تلك الغصون التي لا تتسق وجمالها، وكان لا يزال يضع «التصميمات» لأعمال مسرحية جديدة، وقد كتب وهو في هذه السن كتابه المعروف «ست عشرة صورة ذاتية» وهي ذكريات عن حياته، كما وضع كتيبا آخر بعنوان «أساطير مستغربة أو مستبعدة».
وسئل عند بلوغه التسعين إذا كان هانئا بشيخوخته، فأجاب بالإيجاب، وأنه لو لم يكن هانئا لانتحر وانتهى من حياته، وكان لا يكف عن الدرس والعمل وفقا لحكمته التي قال فيها إننا يجب أن نستهلك كل ما فينا من قوة قبل الموت، وأن نذهب إلى القبر ونحن «خردة» أي ليس فينا عضو سليم نأسف على دفنه.
وحدث وهو في الرابعة والتسعين، سنة 1950، أن تسلق شجرة لتشذيبها، وبقي على ذلك مدة، وبينا هو ينزل انزلقت قدمه فسقط وانكسرت ساقه.
ونقل إلى المستشفى حيث كان الأمل كبيرا عند الأطباء المعالجين بشفائه القريب، ولكن اتضح فجأة أن كليتيه لا تؤديان عملهما على الوجه الكامل، وكان هذا العجز في كليتيه السبب الأول لوفاته.
وكان طيلة مكثه بالمستشفى يضاحك الأطباء والممرضات، ويتفقأ لسانه عن النكات، فكان مما قاله للطبيب المعالج: «إني لو مت على يديك لأصبحت أشهر طبيب في العالم.»
وقال لإحدى الممرضات عقب استحمامه: «اكتبي لي شهادة بأني استحممت على يديك حتى لا أطالب من ممرضة أخرى بتكرار هذا العمل.»
وساءت حالته بسبب العجز في الكليتين، وأحس برغبة جامحة في العودة إلى منزله حيث أجيب إلى طلبه، وبقي أياما قليلة مات عقبها، وتقول المسز باتش سكرتيرته التي كانت ترعاه وتقرأ له الخطابات والتلغرافات التي تسأل عن صحته وترجو له الشفاء: إن الموت غشي وجهه بهدوء رائع كأنه قد مات هانئا إذ أدى عمله وأنجز واجبه نحو الحياة.
وما زلنا نذكر ذلك اليوم في ديسمبر من 1950 حين أذاعت التلغرافات نبأ وفاته، وكان مجلس الوزراء في الهند معقودا برياسة نهرو فقرر انفضاض الجلسة، واعتبر اليوم إجازة رسمية للمدارس، كأن نهرو قصد من ذلك إلى إيجاد وعي سياسي فلسفي عالمي بين التلاميذ الذين سيسألون عن السبب لهذه الإجازة وعن قيمة هذا الكاتب الذي أمضى عمره وهو يدافع عن الإنسانية ويجحد الإمبراطورية، وأغلقت جميع المسارح وسائر الملاهي في نيويورك.
وحدث حادث يؤسف له في الصحافة الإنجليزية التي تنحدر أحيانا إلى أسفل الدركات؛ فإن العادة المألوفة في جميع الجرائد الكبرى بها أن تخص مكانا من مبناها تجعله «جبانة» العظماء، وهي تستكتب الكتاب المختصين تراجم العظماء المشهورين قبل أن يموتوا، وكانت «الديلي إكسبرس» قد استكتبت ه. ج. ويلز ترجمة موجزة لبرنارد شو، ومع أن ويلز مات قبل شو، فإن هذه الجريدة نشرت هذا المقال الذي خرج على الناس كما لو كان عواء من القبر يوم وفاة شو، فقد كانت هناك خصومات قديمة بين هذين الكاتبين لم ينسها ويلز، فبعث أحقادها بكل ما فيها من لؤم وقبح.
ورأت الديلي إكسبرس أن نشر هذا المقال يزيد عدد القراء، وهذا هو ما تتوخاه في جميع نشاطها الصحفي.
صفحه نامشخص