وهو يعلل ذلك بأن المرأة تطلب الزواج باعتباره وسيلة للعيش؛ إذ هي تجد فيه زوجا، أي عائلا ، يعولها ويخدم أبناءها. فهي لا تقصد من الزواج إلى التناسل أو إلى السعادة الزوجية، بل هي لا تختار كما يوحي إليها قلبها، وإنما هي تهدف في كل جهودها ومناوراتها إلى الوصول إلى زوج يحقق العيش الحسن.
وهذا هو ما نجد في بلادنا، مصر، أكثر مما نجد الآن في إنجلترا؛ فإن الفتاة الإنجليزية تتعلم وتعمل وتكسب، وهي تختار زوجها لجملة اعتبارات منها بالطبع أن يكون الزوج قادرا على الكسب، ولكن ليس هذا هو الاعتبار الوحيد في اختيارها للزوج في أيامنا، وقد كتب برنارد شو دراماته وبسط آراءه عن الزواج قبل نحو أربعين سنة حين كانت المرأة مبتدئة في الأعمال الحرة، وحين كانت الحاجة عندها إلى اختيار الزوج «العائل» أكبر مما هي الآن.
وبرنارد شو ينتقد (نعني أنه كان ينتقد) هذه الحال؛ لأن المرأة حين كانت تطلب عائلا فقط، أو قبل كل اعتبار آخر، إنما كانت تهمل اعتبارات أخرى لها قيمتها البيولوجية العظمى، مثل سن الزوج وصحته وكفاءته لإنجاب الأطفال الممتازين.
والواقع أن أعظم ما يفكر فيه برنارد شو بشأن الزواج هو هذه الاعتبارات البيولوجية اليوجنية، وخاصة أن يكون الزواج وسيلة لارتقاء البشر باختيار الأصلح للتناسل، بل منع التناسل لغير الأكفاء له، أي إنه يهدف إلى أعلى.
والزواج في الحالة الحاضرة - في مصر أكثر مما هو في إنجلترا - يعطل هذا التطور؛ لأن الفتاة تطلب قبل كل شيء من يعولها ولو كانت ميزاته البيولوجية ناقصة، ووجود الطبقات، وتفاوت الثراء، يحملان الفتاة على أن تنكر على نفسها ما تمليه عليها حريتها في طلب الصحة والجمال والذكاء، وشو يعتقد أن غريزة المرأة هنا تصدق في تحري هذه الميزات، ولا تخطئ، لو لم تقف اعتبارات المال حائلا دون الاسترشاد بها.
ولا يجد شو في الزواج أي معنى لما يقال أنه عقد مقدس لا يمكن أن يحل، إذ هو عنده قبل كل شيء عقد تناسلي بيولوجي يوجني. ومعنى كلمة «يوجني» هنا أنه يهدف إلى صحة النسل؛ ولذلك هو يقول بتيسير الطلاق، بل جعله مباحا بلا قيد ولا شرط إذا لم يكن للزوجين أطفال، أما حين يكون هناك أطفال فإن الطلاق يباح مع مراعاة مصلحة الأطفال.
وكتابه، أي درامته، عن «الإنسان والسبرمان» هو الهدف الأخير، أو الفكرة الأصيلة، في تفكيره عن الزواج والتناسل؛ فهو لا يكاد يذكر أن الزوجين يسودهما وفاق ينهض على المساواة في المستوى الثقافي مثلا حتى لا يكون التفاوت هنا داعيا إلى الخلاف؛ فإن فكرة التناسل الذي يؤدي إلى إيجاد جيل جديد أرقى من الجيل السابق أي جيل الأبوين، تغمره.
وعندما نتأمل الأسرة (لا العائلة فقط) في مصر بل في جميع الأقطار، نجد أن لبرنارد شو الحق في الالتفات إلى هذه الفكرة؛ فإنه لا تكاد توجد أسرة ليس فيها خال أو عم أو ابن خال أو ابن عم، فضلا عن الأشقاء، خالية من عيوب بيولوجية في بناء الجسم أو ذكاء العقل، ونحن حين نولد لا نرث أبوينا فقط وإنما نرث بعض سماتنا الجسمية والعقلية من جدودنا وأخوالنا وأعمامنا، أي من أرومتنا (أسرتنا) التي نشأ منها أبوانا.
وقد هدفت اليوجنية (أي علم إصلاح النسل) إلى إصلاح هذه الحال بمنع الناقصين من التناسل وتشجيع الأكفاء الحاملين للسمات الحسنة، ومؤلف هذه الكلمة «اليوجنية» هو جالتون ابن عم داروين، وقد استرشد بالطبع في معانيها وأهدافها بنظرية التطور أو الداروينية.
ومع أن برنارد شو يؤمن بتأثير الوسط إيمانا كبيرا فإنه لا ينكر قيمة الوراثة؛ إذ ليس العلم مذاهب وإنما هو نظريات وتجارب.
صفحه نامشخص