الآنسة باتش كانت سكرتيرة برنارد شو، أمضت معه ثلاثين سنة، وكتابها «ثلاثون سنة مع برنارد شو» ليس من الكتب العظيمة، ولكنه يحوي بعض التفاصيل الصغيرة التي تخفى على الذين عرفوا شو من مؤلفاته، وقد رأيت أن أنقل من هذا الكتاب سطورا قد تكون فيها بعض الدلالة على حياة أديب عظيم، وترجمتي هنا معنوية أكثر مما هي لفظية. «كان برنارد شو مهووسا بحب المعاجم، فما هو أن كان يقرأ عن إعلان عن معجم جديد حتى كان يسارع إلى شرائه.» «كان مكتبه يحفل في كل مكان فيه بالكتب من «الموسوعة البريطانية» إلى الكتاب المقدس في لغاته الفرنسية والألمانية والإيطالية والإسبانية فضلا عن الإنجليزية ... إلى كتب أخرى .» «كان يحب الحبر الأحمر وعجينة اللزق، وكان عندما يحب أن يصحح جملة في أحد السطور المجموعة بالكتاب، ينقر بالكتاب الجملة الصحيحة على ورقة بقدر الجملة الممحوة ويلزقها في مكانها.» «لما كان يقيم في المدينة قبل الحرب (الثانية) كان يبكر في الصحو ويقصد إلى نادي السيارات الملوكي، كي يرتاض بالسباحة في حوضه ... ثم يعود حيث يتناول فطوره ويقرأ الجرائد حوالي التاسعة صباحا، ثم يشرع في أداء أعماله، ويبقى أمام مكتبه إلى الساعة الأولى حين يتناول غذاءه، ثم يرتاح بعد الظهر ويستأنف أعماله في الساعة السادسة ويبقى في مكتبه إلى وقت العشاء، وكان من عادته في تناول العشاء أن يغير ملابسه ويلبس ملابس داكنة.» «كان من اعترافاته لي أنه لم يكن يجد ما يكفيه من إيراد التمثيل لمؤلفاته في لندن إلا حوالي 1905، مع أنه كان مدة السنوات العشر السابقة (من 1895 إلى 1905) يحصل على إيراد حسن من تمثيل دراماته في أوربا وأمريكا.» «لما كان عمره 65 سنة تعلم رقصة التانجو في ماديرا ... ويبدو أنه كان لبقا رشيقا في هذه الرقصة؛ لأن معلمه عرض عليه أن يرافقه في الطواف حول العالم لعرض رقصته، ولعل نجاحه في هذه الرقصة (مع تقدمه في السن) هو الذي حمله بعد ذلك على أن يتعلم أيضا اللغة الإسبانية، فاشترك في مدرسة مراسلة وأخفى اسمه، فكانت الدروس تصل إلي بعنواني أنا، وسئم هذه الدروس حتى إن مدير المدرسة بعث إلي بخطاب يأسف فيه على قلة مثابرتي في المذاكرة.» «زارنا نهرو (بعد الحرب) وأعجب بفاز مملوء بزهور الخزامى في البهو، وطلب مني أن أرافقه للتفرج في الحديقة، وكنا في صباح يوم ربيعي وكانت الحديقة على أزهاها وأنضرها، وترك لنا سلة كبيرة بها نحو ألف من ثمار المنجة، وشرح لبرنارد شو طريقة أكلها، وسأله برنارد شو عن المقدار الذي يمكن أن يأكله الإنسان بلا ضرر.» «لم يكن يحب أن يكتب مقدمات للمؤلفين الذين يرجون منه ذلك لمؤلفاتهم، ولكنه مع رفضه ذلك، كان على استعداد لمساعدة الكاتب الناشئ الواعد، وقد سأله واحد عما إذا كان يجب عليه - إذا شاء أن يكون مؤلفا - أن يتعلم صناعة الكتابة أولا، فأجابه شو بأن يعمد إلى الموسوعة البريطانية ويقرأها، حتى إذا وجد مادة يهتم بها فإن عليه أن يمضي في دراسة هذه المادة، وقال له ليست هناك أية منفعة بأن تتعلم كيف تكتب إذا لم تكن قد اهتممت بموضوع تكتب عنه وفي نفسك شيء تقوله عنه، فإذا وجدت الموضوع ووجدت الاهتمام، فإن الكلمات ترد إلى ذهنك في سهولة.» «كان كل مساء، قبل أن يأوي إلى فراشه، يخرج إلى الحديقة ويرفع رأسه إلى السماء يتأملها.» «كان المستر جون كيري لحادا يدفن الموتى، وكنا نحبه جميعا، وكنا نفرح عندما كنا نحمله على أن يلعب الكريكيت معنا في الحديقة.» «كان يقول في الدفاع عن الاشتراكية: إن الامتلاك الفردي لا يتفق مع الحرية، ويضرب المثل على ذلك بأن مالك الأرض لا يجعل من مستأجرها عبدا له فقط، بل إنه ليستطيع أن يبيع فرشاة أسنانه إذا لم يدفع له الجزية عن أرضه.» «قال عن الخمور إنها مخدرات، قد استغنت عنها روسيا لأنها جعلت الحياة محتملة (أيام لنين).» «قال لأحد الزنوج الذي زاره إنه كان مغمورا إلى عنقه في مذهب داروين قبل أن يبلغ السادسة عشرة، ثم عرف كارل ماركس بعد ذلك وصار اشتراكيا، وإنه لا يعرف أحدا آخر قد أثر في ثقافته.» «قال إن ماركس أثر في العالم أكثر مما أثر فيه المسيح أو محمد، ولكنه كان سبابة، ولذلك لم يكن له غير صديق واحد لو أنه كان قد استغنى عنه لمات جوعا.»
كانت المسز هيجينز الطباخة التي تهيئ الطعام النباتي لبرنارد شو، وقد أقام لها عندما ماتت نصبا في حديقته، وقال للنحات: «هل تحب أن أنقدك الأجر مقدما لأن عمري الآن 92 سنة وأخشى أن أموت قبل أن تنتهي من إقامة النصب فتجد صعوبة من المتولين للتركة للحصول على أجرك؟»
ونقشت الكلمات التالية على النصب: «برنارد شو المؤلف لعدد كبير من المسرحيات قد أقام هذا النصب في ذكرى صديقيه ومعاونيه اللذين يشكرهما: كلارا ربيكا هيجنز التي ماتت في الرابع من أغسطس من 1948 في الرابعة والسبعين من عمرها، وأيضا في ذكرى هنري باتشلور هيجنز الذي مات عقب وفاتها، فقد أمضى كلاهما السنين في العناية ببيته وحديقته في أبوت سانت لورنس، وبهذه العناية وجد الحرية لأن يؤدي عمله الذي كان يليق له، ولم يجد كاتب مسرحي آخر مثلما وجد هو من عنايتهما.» «كتب خطابا إلى جريدة التميس وهو في الثانية والتسعين من عمره يقول فيه إنه يجد من المحال أن يجعل الآخرين يفهمون ما يريد؛ وذلك لأن الذين يستعملون الكلمات لا يقصدون منها المعاني التي يطلبها منها غيرهم، وإنه هو مسئول بقدر مسئولية غيره في هذا الشأن.» «كلمة «الفظاعة» كانت الوصف الذي يصف به برنارد شو فكرة الأبدية بعد الموت، هي «فظاعة لا يمكن تصورها»، و«لا يمكن غير الطفل الذي لا يفهم معنى الأبدية أن يجابه هذه الفظاعة»، وكان يسخر من نشاط مستحضري الأرواح الذين يقولون إنهم يتصلون بالموتى.» «كان يتبرم بالغيبيات في الديانة المسيحية، ولكنه كان يسخو في التبرع للكنيسة في أبوت (حيث منزله) لإصلاح الأرغن ولشراء مولد كهربائي للإضاءة، وكان يصف قول الإنجيل «الله محبه» أنه ليس لهذا القول أية قيمة، وأننا لا نستطيع أن يحب أحدنا الآخر في عالم يحفل بالوحوش البغيضين المموهين، ولكن مع ذلك كان القسيس «انج» المشهور يصف برنارد شو بأنه «يعرف قلوب الناس»، يقول له: «إنك لست بعيدا من ملكوت الله»، وفي مدة الحرب طلبت الوزارة أربعة آلاف نسخة من درامة «أندروكليس والأسد» لتوزيعها على الضباط، وذلك لأنها توضح رقة التعاليم المسيحية، ورفض شو أن يأخذ ثمنها.»
كان يقول إنه يجب تعليم الصبيان قراءة الكتاب المقدس «لجمال لغته». «صفة التدين في المتدين الصالح إنما توجد، في رأي برنارد شو، في ذلك الإنسان الذي يعد نفسه وسيلة للغاية التي يهدف إليها الكون، وهي غاية سامية إذ هي «الصعود الدائم نحو النظام والقوة وانبساط الحياة»، حتى يظهر بالتطور كائن قوي حكيم له عقل يحوي الكون كله بالفهم مع الوسائل التي تمكنه من انفاذ إرادته الكاملة، وبكلمة أخرى يكون هذا الكائن إلها قادرا طيبا.» «... إنما نعجز عن الحديث عن الشئون الجنسية لقصورنا في التعبير اللغوي النظيف اللائق؛ ولذلك لا يجد الأطباء هذا الحياء الذي نجده نحن، لأنهم يستعملون الكلمات العلمية في التعبير بدلا من كلماتنا البذيئة.» «... الدين يكسبنا اليقين والاستقرار والسلام والإيمان المطلق، وهو يحمينا من ذلك الارتقاء الذي نخشاه جميعا، أما العلم فهو نقيض ذلك؛ لأنه لا يحل مشكلة إلا ويثير، إلى جنبها، عشر مشكلات جديدة.»
في اجتماع عام حضره شو وأينشتين قال الثاني عن الأول: «لقد نجح المستر شو في كسب حب الشعوب وإعجابهم الطروب بطريقة كانت تؤدي بغيره، لو أنه استعملها، إلى الاستشهاد، وإنه ليجرؤ على أن يسخر بما يبدو لغيره أنه بعيد المنال، وهذا الذي قام به المستر شو ما كان يمكن لأحد أن يقوم به سوى الفنان الموهوب، واستطاع بما لم يستطع غيره أن يضع المرآة أمامنا وأن يحررنا ويخفف عنا بعض أعباء الحياة.» «لما كان في أفريقيا الجنوبية كان يسوق سيارته وإلى جنبه زوجته، فاصطدمت السيارة وتدهورت وأصيب كلاهما بما أحوجهما إلى الراحة والعلاج، وفي هذه الأثناء ألف شو درامته «الفتاة السوداء» وموضوعها الاهتداء إلى الله، وقال في تصريح له لأحد الذين سألوه عن علة تأليفها هذه الكلمات الغريبة: «أنت تظن أنك تعتقد أن الله لم يعرف قصدي عندما كلفني وأوحى إلي بتأليف «الفتاة السوداء»، وما حدث هو أن زوجتي كانت مريضة طريحة الفراش في أفريقيا فجاء إلي الله وقال: إن كثيرا من النساء قد أرهقني بصلواتهم من أجلك، ما هي قيمتك أنت مع ذلك؟ فقلت له: إني أستطيع أن أكتب مع شيء من الكفاءة، أما في غير ذلك فلا أعرف شيئا. فقال الله: تناول قلمك وأكتب ما سوف أضعه في رأسك السخيف. وهذا هو الأصل لتأليفي هذه الدرامة.»» «لما ماتت شارلوت (زوجة برنارد شو) حملت إلى مرمدة جولدرز جرين حيث أحرق جثمانها في نفس المكان الذي أحرق فيه بعد ذلك جثمان برنارد شو ، وكانت حفلة الإحراق متفقة في الحالتين، ولم يحضرهما قسيس، وطلب برنارد شو عند ابتداء الحفلة أن يلحن الأرغن قطعتين من فيردي هما «نحن خالقو الموسيقا» وأيضا «فلنتحرر»، وقرأ السر سدني كوكريل صفحات من قصة «الحجيج في الطريق» للأديب دانيل ديفو، ولم تستغرق الحفلة الخاصة بشارلوت أكثر من أربع دقائق.» «تواردت الخطابات والتلغرافات لتعزية برنارد شو عقب وفاة زوجته فنشر في الصحف هذا الإعلان التالي: «تسلم المستر برنارد شو مقدارا هائلا من الخطابات بمناسبة وفاة زوجته، وهو مع أنه قد قرأها وقدرها جميعها، فإنه لن يحاول الرد عليها لأن هذا فوق طاقته؛ ولذلك فإنه يرجو أصدقاءه وأصدقاءها بأن يرضوا بهذه الإجابة العامة كما أنه يؤكد لهم أنه في انتظار النهاية السعيدة جدا، لعمره الطويل، يحيى الآن في هدوء كامل.»» «كان برنارد شو يفخر بأن جسمه يعادل في الصحة والقوة عشرة أضعاف الصحة والقوة عند «أكلة الجثث» يقصد غير النباتيين مثله، ومع ذلك يجب أن نذكر أنه كان مدينا في شفائه من الأنيميا الخبيثة لعصارة معدة الخنزير التي كان يحقن بها حتى حصل على الشفاء.»
كان من أقواله: «الصحة جزء من منهج الحكمة الذي ننهجه.» «كان عقب وفاة زوجته (في أوائل الحرب الثانية) يترك فراشه في الصباح في الساعة الثامنة، وبعد الفطور يقصد إلى الحديقة في حذائيه الثقيلين ويسير إلى أن يبلغ مخبأه حيث يبقى إلى أن يدعى للغداء، ولم يكن أحد يطرق عليه الباب طوال هذه المدة.» «وفي السنوات الأخيرة من عمره كان يقنع من الطعام بسندويتشات من السلطة المهيأة من الخضروات النيئة، ويشرب كوبا من عصير التفاح أو يأكل طبقا من اللبن الزبادي، ولكني لم أره قط يشرب الشاي أو الماء القراح، وكان يأكل البيض عندما لا يجد طعاما غيره، وقد سئم البيض لأن جميع من كانوا يدعونه لتناول الطعام كانوا يطبخون له البيض والسبانج، وقد سمعته يهدد أحد الجيران بأنه إذا قدم له هذا الطعام فإنه سيترك بيته فورا ولا يعود ، ولم أره قط يأكل الزبد الطبيعي، وقال ذات مرة إنه لا يمكنه التمييز بين الزبد وبين المرجرين (الزبد الصناعي)، ولم يكن يشرب شيئا بين الغداء والعشاء عند منتصف الساعة الثامنة من المساء، ولكن إذا حضر ضيف وشرب الشاي كان يشرب معه كوبا من اللبن، وكان بعد أن يستريح عقب الغداء يخرج إلى الحديقة ويرتاض بقطع الخشب من الشجر، فلما تقدمت به السن إلى الهرم كان يقنع بالسير في مماشي الحديقة حول البيت، وقبل أن يصل إلى السنين العشرة الأخيرة من عمره كان يقصد إلى مكتبه في الساعة السادسة مساء ويعمل بعض الوقت، وكان قبل أن يقعد إلى المائدة يدير الراديو، وظني أنه كان يفعل ذلك حتى لا يتحدث إليه أحد وقت الطعام.» «لم يكن شو نهما إلى الطعام، بل لم يكن أيضا دقيقا في تذوقه للطعام، وكان مغرما بالفواكه، ولكن كثيرا ما كان يتركها ولا يمسها حين تأتي هدايا من أصدقائه في إنجلترا أو في الخارج، وكتب إلى صديق له، وعمره وقتئذ 92 سنة، يقول إن اعتراضه على طعام اللحم ينهض على أساسين: الأول ذوقي والثاني منفعي؛ فإن الإنسان المتمدن يجب أن يصد عن رؤية القتل للحيوان أو الرضى به، ثم إن قتل الحيوان للطعام يستهلك الكثير من الوقت والجهد في إطعام الماشية والدجاج، وإضاعة الوقت في تربية الملايين منها، وهذه التربية تستلزم استعباد هذه الحيوانات للملايين من الناس في تربيتها وإطعامها وتناسلها.» «كان يقول إن النباتيين وصموا الطعام النباتي إزاء غيرهم من اللحميين حين قصروه على الكرنب والرز والعصيدة والجزر، وإنه يجب على النباتيين أن يأكلوا أيضا الجبن والزبد والشهد والبيض وفي بعض الأحيان زيت كبد الكود (أي السمك المعروف الذي يباع جافا في مصر في آخر رمضان باسم البكلاء)، وقد وصل إلى سن الرابعة والتسعين على الغذاء النباتي، ولكن حاجته إلى زيت كبد الكود، وأيضا احتياجه إلى التداوي بعصارة معدة الخنزير، برهان على أنه لم يكن يتعصب تعصبا أعمى للمذهب النباتي.» «من النوادر التي يشك في صحتها أن برنارد شو دخل مطعما فقدم إليه الجرسون طعاما من اللحم فوبخه شو، ولكن الجرسون بادره بالرد: «يا مستر شو أنت تلبس اليوم حذاء جديدا.»» «والنكتة هنا أن أديم الحذاء مصنوع من جلود الحيوانات، ولكن شو كان يرد على هذه النكتة بأنه ما دامت هناك ملايين من الحيوانات تقتل للطعام فإن من الحماقة ألا نستغل جلودها وصوفها للباس.» «كان بعد سن السبعين يستريح نحو ساعة ونصف بعد الغداء، وكان ينزلق في هذه المدة من النعاس إلى النوم، وكان ينبه من حوله بألا يزعجوه، وكان يتناول كتابا يشرع في تقليب صفحاته ثم يجده مخدرا فينام، أما قبل السبعين فلم يكن يحتاج إلى ذلك.» «جميع أفراد أسرة شو يعزفون على الآلات الموسيقية، ولما كان السر ستافورد كريبس وزيرا للمالية، وحين فرض ضريبة قدرها 66 في المائة على أثمان الآلات الموسيقية، وبخه شو وقال في توبيخه له: إن الموسيقا من الحاجات الأولى في الحياة المتمدنة. وكان شو يعزف على البيان، ويغني وهو يعزف، وبقي على ذلك كل يوم إلى أن ماتت زوجته، وكان صوته حسنا، قد مرنته أمه - وكانت معلمة غناء - على الغناء.» «كان يهوى التقاط الصور الفتوغرافية في جولاته، وبقي على ذلك إلى حوالي سنة أو سنتين قبل وفاته.» «كان يقرأ كثيرا، وأيضا كان يلعب كثيرا، ولكنه لم يكن يلعب للذة أو للتسلي، فقد كان يمارس السباحة، وركوب الدراجة، وسباق السيارة، والتجوال على قدميه في الريف، وكسر الخشب، وجر السياج الشجري حول الحديقة، وأحيانا يلعب التنس. وكان قصده من هذه الرياضات زيادة كفاءته لتأدية أعماله ... وحتى حين بلغ الثمانين كان يجول ويصعد في التلال، ويمشي في السهول، وحدث أن جاءه صحفي يريد الحديث معه فدعاه إلى مرافقته في التجوال، وأمضى معه الحديث، وعاد الصحفي المسكين وهو يلهث من الإعياء.» «على الرغم مما كنت أضيق به في خدمتي لبرنارد شو، كان في سلوكه معي حفاوة بي، وعندما بلغ التسعين، حين هزل وصار يبدو كما لو كان ورقة الخريف التي تهفو في الهواء لأقل هبوة، كان ينهض واقفا ويقدم لي كرسيه إذا رأى أن الكرسي الذي أقعد عليه ليس مريحا.» «كان عاجزا العجر كله عن أي خبث؛ وذلك لأنه كان راضيا عن نفسه، فلم يكن يحمل الخبث لأحد، وكان يرد على الحاقدين بهز كتفيه، وكان يريد الخير لجميع الذين كان يضايقهم بنقدهم، وقد انتقد في دراسته «المسرحية الأولى تأليف فاني» أصدقاءه الحميمين مثل ووكلي، كما انتقد الساسة بالفور واسكويث وكتشينر.» «عرض عليه رئيس الوزارة رمزي مكدونالد أن تمنحه الحكومة لقبا أو يدخله عضوا في مجلس اللوردة فأبى، وقبل منحه جائزة نوبل للآداب (14 ألف جنيه) لم يأخذ هذا المبلغ لنفسه وإنما وقفه على جمعية تؤلف من الإنجليز والسويديين لإيجاد التعاون الأدبي بين الشعبين.» «كان يصف نفسه بأنه «خطيب الغوغاء، الممثل الذي لا رجاء في إصلاحه.»» «كان يقول إن الرجل الذي يحمل في صدره مظلمة وقعت به يجب عليه أن يتخلص منها ولا يذكرها إذا وثق أنه لن يجد من ينصفه فيها، والمظلمة (مفرد مظالم) هي في رأيه كرب ونكد بمقدار ما تحتوي على حق وعلى ما لقي صاحبها من قسوة؛ ولذلك يجب على المبتلى بها أن يسارع إلى إسقاطها من حياته عندما ييأس من علاجها.» «كان عقله مضيئا كما لو كان من البللور؛ لأنه كان يأبى أن يزحمه بما لا قيمة له من الاهتمامات أو الدراسات.»
كان يقول عن مقامه في عالم المسرح: «لست الحصاة الوحيدة على الشاطئ بين كتاب المسرحيات إنما أنا شبح من أشباح إبسن»، وإبسن هو الكاتب المسرحي الذي أثر فيه تأثيرا كبيرا، وله درامة أو مأساة بعنوان «الأشباح».
كان يكره قطف الأزهار، زاره زائر ولاحظ أنه ليس في الغرفة أزهار، فأجاب شو: «أنا أحب الأطفال، ولكني لا أقطع رءوسهم وأضعها في زوايا البيت.» «كان إعجابه عظيما بالأمداء الفسيحة في الحقول.» «كان يكره الحديث وقت عمله، فكان إذا احتاج إلى شيء من شخص آخر في غرفة مجاورة كتب إليه سطرا، فيجاوب الآخر بسطر، ثم تجرى مكاتبات بينهما كأن محيطا بين قارتين يفصل بينهم.»
كان غيورا على الوقت، فقد قال لي بعد أن تناول غداءه وأحس الشبع: «يجب أن أستغني عن الغداء، تأملي كم من الوقت أنفق عليه في الطبخ والغسل، وهذا بعد فطور جيد، هذه سخرية.» «قال لي وهو في التاسعة والثمانين: «لا أستطيع أن أنتظر ستة شهور أخرى؛ فإن أيامي تعد علي الآن.»»
وعندما بلغ الثالثة والتسعين قال لي: «إن الموت يطرق الباب، وهو ضيف لا أرفض الترحيب به.»
صفحه نامشخص