بریقه محمودیه

ابو سعید خادمی d. 1156 AH
79

بریقه محمودیه

بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية

ناشر

مطبعة الحلبي

شماره نسخه

بدون طبعة

سال انتشار

١٣٤٨هـ

إنَّ طَرِيقَ اسْتِحْصَالِ مَحَبَّتِهِ تَعَالَى هُوَ ذِكْرُهُ فَبِكَثْرَةِ الذِّكْرِ تَحْصُلُ الْمَحَبَّةُ الْإِلَهِيَّةُ. نُقِلَ عَنْ مَوَاهِبِ الْقَسْطَلَّانِيِّ وَمِنْ عَلَامَاتِ مَحَبَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَحَبَّةُ سُنَّتِهِ وَقِرَاءَةُ حَدِيثِهِ فَإِنَّ مَنْ دَخَلَتْ حَلَاوَةُ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ إذَا سَمِعَ كَلِمَةً مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَشَرَّبَتْهَا رُوحُهُ وَقَلْبُهُ وَنَفْسُهُ فَتَعُمُّهُ تِلْكَ الْكَلِمَةُ وَتَشْمَلُهُ فَتَصِيرُ كُلُّ شَعْرَةٍ مِنْهُ وَكُلُّ ذَرَّةٍ مِنْهُ بَصَرًا فَيَسْمَعُ الْكُلَّ بِالْكُلِّ وَيُبْصِرُ الْكُلَّ بِالْكُلِّ حِينَئِذٍ يَسْتَنِيرُ الْقَلْبُ وَيَشْرَقُ سِرُّهُ وَتَتَلَاطَمُ عَلَيْهِ أَمْوَاجُ التَّحْقِيقِ عِنْدَ ظُهُورِ الْبَرَاهِينِ وَيَرْتَوِي بِرِيِّ عَطْفِ مَحْبُوبِهِ الَّذِي لَا شَيْءَ أَرْوَى لِقَلْبِهِ مِنْ عَطْفِهِ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ أَشَدُّ لِلْهَيْبَةِ وَحَرِيقِهِ مِنْ إعْرَاضِهِ عَنْهُ وَلِهَذَا كَانَ عَذَابُ أَهْلِ النَّارِ بِاحْتِجَابِ رَبِّهِمْ أَشَدَّ مِنْ الْعَذَابِ الْجُسْمَانِيِّ كَمَا أَنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ بِرُؤْيَتِهِ تَعَالَى وَسَمَاعِ خِطَابِهِ وَرِضَاهُ وَإِقْبَالِهِ أَعْظَمُ النَّعِيمِ الْجُسْمَانِيِّ. قِيلَ عَنْ وَابْنِ مَالِكٍ فِيهِ تَنْبِيهٌ أَنَّ فِي مَحَبَّةِ سُنَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ سُنَّتِهِ مَحَبَّةٌ لَهُ ﵊ لَا يَخْفَى أَنَّ مُجَرَّدَ مَحَبَّةِ السُّنَّةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَكْفِي فِي مَحَبَّتِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُتَجَزِّئَةٍ فَالْوَاحِدَةُ تَسْتَلْزِمُ الْكُلَّ وَإِلَّا فَكَاذِبَةٌ «وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ» لِأَنَّ «الْمَرْءَ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» كَمَا فِي الْحَدِيثِ. وَفِي آخَرَ «مَنْ أَحَبَّ قَوْمًا حُشِرَ مَعَهُمْ» وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ اتِّحَادِيَّةَ الدَّرَجَةِ الْمُفَادَةِ مِنْ الْمَعِيَّةِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَالَ عَلِيٌّ الْقَارِيّ الْمُرَادُ هُوَ التَّقَارُبُ وَقِيلَ لَيْسَ الْمَعِيَّةُ فِي الْمَنْزِلَةِ مُرَادَةً بَلْ الْمُرَادُ اطِّلَاعُهُ لَهُ ﵊ وَكَاشِفٌ عَنْهُ مَعَ كَيْنُونَةِ كُلٍّ فِي مَنْزِلَتِهِ. عَنْ النَّوَوِيِّ عِنْدَ هَذَا الْحَدِيثِ فِيهِ فَضْلُ حُبِّ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّالِحِينَ وَأَهْلِ الْخَيْرِ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الِانْتِفَاعِ بِمَحَبَّةِ الصَّالِحِينَ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَهُمْ إذْ لَوْ عَمِلَهُ لَكَانَ مِنْهُمْ انْتَهَى أَقُولُ وَسَيُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ بِنَحْوِهِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ شَرْطِيَّةِ تَمَامِ الْعَمَلِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ التَّعْلِيلُ فَيَلْزَمُ مِنْ صِدْقِ دَعْوَى الْمَحَبَّةِ عَدَمُ إتْيَانِ الْمُحِبِّ مَا يَكْرَهُهُ الْمَحْبُوبُ وَمِنْ جُمْلَتِهِ إتْيَانُ عَمَلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى تَمَامِ قَدْرٍ وَإِلَّا فَدَعْوَى الْمَحَبَّةِ تَحَكُّمٌ وَكَذِبٌ (دز) إنْ بِزَايٍ مُعْجَمَةٍ فَالرَّمْزُ لِأَبِي دَاوُد وَالْبَزَّارِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَإِنْ بِرَاءٍ مُهْمَلَةٍ فَلِلدَّارِمِيِّ وَهُوَ الْأَكْثَرُ لَكِنْ حَقِيقَةُ الْحَقِّيَّةِ إنَّمَا تَظْهَرُ بِالْوِجْدَانِ فِي أَيِّهِمَا أَوْ فِي كِلَيْهِمَا (عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) الظَّاهِرُ أَنَّهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَا جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ الَّذِي هُوَ ابْنُ أُخْتِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ حِينَ أَتَاهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَالَ إنَّا نَسْمَعُ أَحَادِيثَ» أَيْ أَخْبَارَ الْكُتُبِ الْمَاضِيَةِ. «مِنْ يَهُودَ» قِيلَ عَنْ الصَّاغَانِيِّ هُوَ ابْنُ يَعْقُوبَ ﵊ قَالَ فِي الْإِتْقَانِ مُعَرَّبٌ أَعْجَمِيٌّ مَنْسُوبُونَ إلَى يَهُودِ بْنِ يَعْقُوبَ وَهُمْ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الْآنَ أَنَّهُمْ مِنْ أُمَّةِ مُوسَى - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَفْظَةُ يَهُودُ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْقَبِيلَةِ. وَعَنْ الزَّمَخْشَرِيِّ الْأَصْلُ فِي يَهُودَ وَمَجُوسٍ أَنْ يُسْتَعْمَلَ بِغَيْرِ لَامِ التَّعْرِيفِ لِأَنَّهُمَا عَلَمَانِ خَاصَّانِ لِقَبِيلَتَيْنِ انْتَهَى لَكِنْ فِيهِ تَأَمُّلٌ «تُعْجِبُنَا» صِفَةُ أَحَادِيثَ أَوْ حَالٌ مِنْهَا أَيْ تَرَى تِلْكَ الْأَحَادِيثَ لَنَا حَسَنًا، لَعَلَّهُ لِمَا فِيهَا مِنْ الْحِكَمِ وَالْمَوَاعِظِ «أَفَتَرَى» أَيْ أَفَتُجِيزُ مِنْ الرَّأْيِ وَمِمَّا عُدَّ مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ تَقَدُّمُهَا عَلَى الْعَاطِفِ تَنْبِيهًا عَلَى أَصَالَتِهَا وَهُوَ الْقِيَاسُ مِثْلُ ﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ [التكوير: ٢٦] ﴿فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ [الأنعام: ٩٥] كَمَا فِي الْإِتْقَانِ ثُمَّ الْعَطْفُ هَلْ هُوَ عَلَى مَا بَعْدَ الْهَمْزَةِ أَوْ قَبْلَهَا فِيهِ خِلَافٌ أَيْ أَتَأْذَنُ لَنَا فَتَرَى ثُمَّ قِيلَ الظَّاهِرُ أَنَّ حَرْفَ الْعَطْفِ فِي أَمْثَالِهِ زَائِدٌ لِاسْتِقَامَةِ الْمَعْنَى بَعْدَ إسْقَاطِهِ. «أَنْ نَكْتُبَ» مِنْ الْكِتَابَةِ قِيلَ أَيْ نَجْمَعَ «بَعْضَهَا» لِلِاعْتِبَارِ وَالِاتِّعَاظِ «فَقَالَ» - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمُتَهَوِّكُونَ أَنْتُمْ» أَيْ مُتَحَيِّرُونَ وَيُقَالُ لِلْوُقُوعِ فِي الشَّيْءِ بِقِلَّةِ مُبَالَاةٍ «كَمَا تَهَوَّكَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى» جَمْعُ نَصْرَانِيٍّ وَهُمْ يَزْعُمُونَ الْآنَ أَنَّهُمْ مِنْ أُمَّةِ

1 / 79