بریقه محمودیه

ابو سعید خادمی d. 1156 AH
130

بریقه محمودیه

بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية

ناشر

مطبعة الحلبي

شماره نسخه

بدون طبعة

سال انتشار

١٣٤٨هـ

وَالنَّدْبِ وَتَقْرِيرُهُ كَفِعْلِهِ بَعْدُ فَتَأَمَّلْ (د) أَبُو دَاوُد (عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ» بِالْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ وَالْأُمُورِ الصَّعْبَةِ الَّتِي لَمْ تُشْرَعْ عَلَيْكُمْ مَرْحَمَةً مِنْ الشَّارِعِ كَصَوْمِ الدَّهْرِ وَإِحْيَاءِ كُلِّ اللَّيْلِ كَذَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَالِكٍ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ سَبَقَ إشَارَتُهُ «فَيُشَدِّدَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ» بِالنَّصْبِ جَوَابُ النَّهْيِ أَيْ يُضَيِّقَ اللَّهُ الْأَمْرَ الَّذِي ارْتَكَبْتُمُوهُ وَالْتَزَمْتُمُوهُ قِيلَ: لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِي النَّوَافِلِ مُلْزِمٌ بِهَا وَمُوجِبٌ لِإِتْمَامِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٣] لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ التَّقْرِيبِ إذْ الْمَطْلُوبُ لَيْسَ مِمَّا لَزِمَ بِشُرُوعِهِ بَلْ مُطْلَقٌ بَلْ مُخَالِفٌ لَهُ جِنْسًا وَالْأَقْرَبُ مَا يُشَارُ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ التَّشْدِيدَ مُوَصِّلٌ لِلْمَلَالَةِ وَالْكَسَلِ، وَقَدْ ذَمَّهُ تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى﴾ [النساء: ١٤٢] وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُكَلَّفَ لَمَّا وَضَعَ عَلَى نَفْسِهِ مَا رَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَرْحَمَةً أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مُجَازَاةً لِعَدَمِ قَبُولِ الْمُكَلَّفِ صَدَقَتَهُ تَعَالَى «، فَإِنَّ قَوْمًا» كَانُوا قَبْلَكُمْ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى هَذَا أَوْلَى مِنْ التَّخْصِيصِ بِقَوْمِ عِيسَى ﵊ «شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ» بِالْأَفْعَالِ الشَّاقَّةِ وَالرِّيَاضَاتِ الصَّعْبَةِ مُطْلَقًا، وَالتَّخْصِيصُ بِالتَّفْسِيرِ هُنَا بِبَقَرَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ حِينَ سَأَلُوا عَنْ لَوْنِهَا وَسِنِّهَا وَغَيْرِهِمَا كَمَا تَوَهَّمَ مُنَافٍ لِلسَّوْقِ «فَشَدَّدَ» أَيْ اللَّهُ أَوْ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ «عَلَيْهِمْ» بِإِيجَابِ مَا تَكَلَّفُوا بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَوْ أَتَوْا بَعْدَهُ أَنْقَصَ مِنْهُ لَاسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ لِتَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَهَلْ هَذَا يَحْصُلُ بِالْمَرَّةِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقِ الْكَلَامِ أَوْ بِالِاسْتِمْرَارِ وَالتَّكْرَارِ وَبِهِ يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا «فَتِلْكَ» الطَّائِفَةُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الْمَوْجُودِينَ «بَقَايَاهُمْ» بَقَايَا الْأَوَّلِينَ («فِي الصَّوَامِعِ» فِي الْقَامُوسِ صَوْمَعَةٌ كَجَوْهَرَةٍ بَيْتُ النَّصَارَى لَعَلَّهُ هُنَا بِمَعْنَى عُمُومِ الْمَجَازِ الشَّامِلِ لِلْيَهُودِ أَيْضًا إذْ الْمُسْتَفَادُ مِنْ لَفْظِ الدِّيَارِ وَالرَّهْبَانِيَّةِ هُوَ الْعُمُومُ وَالْإِطْلَاقُ «وَالدِّيَارُ» جَمْعُ دَارٍ («رَهْبَانِيَّةً» قِيلَ عَنْ الْبَيْضَاوِيِّ هِيَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْعِبَادَةِ وَالرِّيَاضَةِ وَالِانْقِطَاعِ عَنْ النَّاسِ مَنْسُوبَةً إلَى الرَّهْبَانِ وَهُوَ الْمَبَالِغُ فِي الْخَوْفِ مِنْ رَهِبَ كَالْخَشْيَانِ مِنْ خَشِيَ وَقُرِئَتْ بِالضَّمِّ كَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الرُّهْبَانِ وَهُوَ جَمْعُ رَاهِبٍ كَرَاكِبٍ وَرُكْبَانٍ «ابْتَدَعُوهَا» اخْتَرَعُوهَا وَأَحْدَثُوهَا فِي التَّعْبِيرِ إشَارَةٌ إلَى الذَّمِّ إذْ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُبْتَدَعَ ضَلَالَةٌ نُقِلَ عَنْ الْخَازِنِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ جَاءُوا مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ وَهِيَ تُرْهِبُهُمْ فِي الْجِبَالِ وَالْكُهُوفِ وَالْغَيْرَانِ وَالدِّيَرَةِ فَارِّينَ مِنْ الْفِتْنَةِ وَحَمَّلُوا أَنْفُسَهُمْ الْمَشَاقَّ فِي الْعِبَادَةِ الزَّائِدَةِ وَتَرْكِ النِّكَاحِ وَاسْتِعْمَالِ الْخَشِنِ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ بِالتَّقَلُّلِ مِنْ ذَلِكَ «مَا كَتَبْنَاهَا» مَا فَرَضْنَا الرَّهْبَانِيَّةَ «عَلَيْهِمْ» . فَإِنْ قِيلَ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ كَالتَّعْلِيلِ لِمَا قَبْلَهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْفَرْضِيَّةِ نَفْيُ مُطْلَقِ الطَّاعَةِ فَيَجُوزُ بَقَاؤُهَا عَلَى نَحْوِ الِاسْتِحْبَابِ قُلْنَا هَذَا عَمَلٌ بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَالْحَنَفِيَّةُ لَيْسُوا بِقَائِلِي ذَلِكَ، وَإِنَّ مِنْ شُرُوطِهِ عِنْدَ مُثْبِتِهِ أَنْ لَا يُرَدَّ لِوَقْعَةٍ وَحَادِثَةٍ خَاصَّةٍ، وَقَدْ كَانَ هَذَا لِلْوَقْعَةِ الْخَاصَّةِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مِنْ الْفَرْضِ غَيْرُ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ الْمَشْهُورِ نَحْوُ قَدَّرْنَا كَوْنَهَا طَاعَةً

1 / 130