وكان التفاهم بينه وبين أبيه حميما راسخا، كابن وأب، وكمؤمنين في عقيدة واحدة. وجد في نفسه الشجاعة الكافية كي يعترف لأبيه بعلاقته بزكية محمدين غير مخف عليه سرا من أسرار حياتها. أصغى محمد إليه كاظما انفعالاته تشجيعا له ورحمة به. وختم شفيق اعترافه بقوله: أخطأت الفتاة ولها عذر كما أخطأت ولي عذري أيضا!
فهز محمد رأسه نفيا وقال: كلا، كان بوسعها أن تحافظ على شرفها وكان بوسعك أن تصبر.
حدس الجواب من قبل فتساءل: وإذا تاب كلانا؟
فقال محمد وهو يتفحصه بعناية: التوبة أمل الخاطئين!
فتردد لحظات ثم تساءل: أعني أتوافق عند ذاك على زواجنا؟!
وجد نفسه محاصرا وتجرع خيبة أمل مريرة. واستسلم لانفعاله فقال: اختيار سيئ لن يعفي من عواقب وخيمة! - ظننته ينقذ نفسين ضالتين! - لا ضمان لذلك!
ثم بامتعاض كالأنين: أي حظ سيئ! لم نفق بعد من تجربة سهام المريرة، وها أنت في نفس الطريق الوعرة!
فقال شفيق بأسى: حسبتك ستبارك قراري!
هام في وادي الخيبة طويلا. وراجع نفسه وانفعالاته. ثم تنهد قائلا: سمعت رأيي ولكن إذا أصررت على رغبتك فلن أعارض.
ونقل شفيق صورة مما دار بينه وبين أبيه إلى زكية في ألطف أسلوب ممكن. تابعته بانتباه وعمق. لم تكن في مثل براءته بعد أن طحنتها الحياة من رأسها إلى قدميها. كفرت بكل شيء إلا ذاتها، والمال؛ ذلك الساحر الذي قدمت له نفسها قربانا. ولم تكن تبني أي خيال على تخرجها القريب، وقد أنضجتها الحياة أكثر من أساتذتها أنفسهم الذين يتاجرون أيضا بطريقتهم الأكاديمية الخاصة. أيغريها هذا الشاب بالزواج؟ وما قيمة الزواج منه؟ وما الداعي إلى تحمل احتقار أهله؟! ثم إنها لا تحبه كما يتصور. إنهم يصدقون أي كلام يند عن جسد المرأة. وإن لم تنكر أنه أوثق الزبائن علاقة بها وأقربهم مودة إلى نفسها. ولم ترتح لإذلاله وهو يعرض عليها الزواج، ولا عن قوله «الإقلاع عن الحياة الفاسدة!» أين هم المحترمون؟ ولما سألها عن رأيها أجابت بوضوح: غير موافقة!
صفحه نامشخص