أما الاعتراض على تقديري سعر السهم بمبلغ ثلاثين جنيها فردي عليه أن هذا التقدير مأخوذ من متوسط أسعار أسهم البنك في عدة سنوات كما فعلت كثير من الدول عند تحويل بنك فيها إلى بنك مركزي. ثم إني لم أجعل هذا السعر إجباريا، بل تركت للمساهم الخيار بين أن يأخذ هذا المبلغ وبين أن يبقى مساهما في البنك الأهلي بعد تحويله إلى بنك مركزي، وفوق ذلك جعلت من الجائز أيضا أن يعطيه البنك سندات فائدتها متوسط الأرباح التي كان يحصل عليها في السنوات الأخيرة. فلم أظلم المساهمين الحاليين أو الجدد خصوصا وأني مددت مدة الامتياز 13 سنة. فإذا قدرنا مقابلا لهذه الزيادة فالتقدير يزيد عن الثلاثين جنيها.
وأما عن ضم خبير دولي إلى إدارة البنك، فهذا من أوجب الأمور، ونحن نستقدم خبراء فنيين في أتفه المسائل. وهذا له نظائر في بعض البنوك المركزية مثل بنك أستونيا وبنك شكوسلوفاكيا. على أنني لم أحدد جنسية الخبير الكفؤ الذي يستطيع أن يضطلع بمثل هذه المهمة الدقيقة الخطرة، فمن الجائز أن يكون مصريا.
وأما عن السماح لبنكنا المركزي بالتعامل مع الأفراد وبالتدخل في بعض الأعمال التجارية، فالواقع أني قد منعته من الأعمال التجارية التي ينافس بها البنوك الأخرى، ولم أسمح له بالتعامل مع الأفراد إلا في حالات استثنائية محضة يقررها وزير المالية، ولا يمكنني أن أمنع البنك من تشجيع نهضتنا ومن علاج الأزمات أو أقبل أن يقفل فروعه في السودان لتنفرد البنوك الأجنبية بالعمل، فلا بد من تدخله إذا دعت الضرورة. (4) مشروع البنك الأهلي
بقي أن نتكلم عن مشروع البنك الأهلي وعن تفكير الحكومة في مشروع تريد به التأميم.
يرى البنك الأهلي أن التعاقد الذي تم بينه وبين الحكومة سنة 1940 يستوجب أن تصدر الحكومة قانونا يمكنه من الهيمنة على البنوك الأخرى ويزيد من نفوذه في مصر، ويتمسك بأن يبقى ملكا لمساهميه الحاليين. ذلك مشروع البنك الأهلي يراعي مصلحة المساهمين وحدهم ويضرب بمصلحة البلاد عرض الحائط، وقد صدق سعادة محمود بك الدرويش عندما وصف ذلك المشروع في مذكرته المعروفة بأنه امتهان لذكاء المصريين. (5) مذهب الحكومة في التأميم
أما الحكومة فإنها وإن صرحت في الصحف وفي خطب العرش بفكرة التأميم إلا أنها متقاعسة مترددة في تنفيذ تلك الفكرة. وقد لا تستطيع تنفيذها بعد أن عمل البنك الأهلي على امتلاك معظم الأرصدة ليضع أمامها عقبة لا تستطيع أن تتخطاها إلا إذا أرادت أن تعرض نفسها لأخطار تسوية الأرصدة التي تصبح دينا للحكومة المصرية على الحكومة البريطانية.
ومن أعجب الآراء التي سمعتها رأي يقول بأن تسلخ الحكومة من البنك الأهلي عملية إصدار البنكنوت، فتجعل لها إدارة ملحقة بوزارة المالية. وهذا رأي عقيم فاسد يؤثر على مكانة نقدنا ويحرمنا من بنك مركزي ينظم الائتمان ويرعى نهضتنا. وقد يرحب البنك الأهلي بهذا الرأي ليتفرغ للأعمال التجارية المكسبة.
ما لنا ولكل هذا؟ ولم الطفرة والمجازفة ومحاولة الوثوب في قفزة واحدة إلى أغراض قد ندركها وقد لا ندركها؟ أليس من الأفضل لنا أن نمشي فوق أرض صلبة، وأن نقطع الطريق على مرحلتين، فإن كانت المرحلة الأولى غير كافية أضفنا إليها مرحلة ثانية، فنبدأ ببنك شبه حكومي فإن اتضح بعد ذلك ضرورة امتلاك الحكومة له أصدرنا تشريعا نستكمل به التأميم.
إن التأميم الكامل وسيلة وليس بغاية. والمسألة ليست مسألة مذهب يقصد لذاته أو عقيدة تفرض على الناس فرضا، وإنما هي مسألة تخضع أولا وقبل كل شيء إلى الظروف الخاصة بكل بلد . فإذا كانت ظروفه السياسية والاقتصادية يقتضي إبعاد الحكومة عن امتلاك البنك وإدارته فلا بد من إبعادها، وإذا كانت تلك الظروف تستلزم اشتراك الحكومة والبنوك والأفراد ليكون من هذا الاشتراك نفع وتوازن وتحمل للمسئوليات وتعاون على النهوض بالاقتصاد القومي، فمن الواجب حتما أن نأخذ بها النظام الذي يطلق عليه الاقتصاديون النظام شبه الحكومي، ويسميه بعض الكتاب نظام التأميم الناقص. وهو ما نراه ضروريا لمصر متفقا مع ظروفها.
الفصل الخامس
صفحه نامشخص