تميل علي بعطف لم أعهده ولا أستحقه. تطبع قبلة على خدي: تعلم أني معك وإن غبت. أبدا لا أنساك.
أضحك وأقول: طبعا. أنت الأم الصغرى.
فتجلجل ضحكتها الصافية كما لو كانت تنشج باكية: لكني لم أحبل بك. هذا شيء كنت سأندم طول العمر عليه!
أطرق، أغمض عيني: ذنب لا حيلة لي فيه. لكن ما العمل الآن؟ تمد ذراعيها وتكاد تحضنني. أتحفظ كالعادة، يغمرني إحساس الذنب مع العرفان. تهتف وهي تشد ذراعي: يسأل مثلك من لا عمل لديه. نعمل ما كنا نعمل، حتى تترك حزنك. هل يتركك؟ أليس هناك دواء؟
أسأل نفس سؤالك: لكن ماذا نفعل؟! - نذهب للغابة. للجبل الأخضر. للزحلقة على الثلج الأبيض. نجلس في الكوخ قليلا نحسو القهوة والشاي. تغسل ثوب همومك بالأمطار. تفتح للنور ذراعيك وصدرك على إله النور يضمد جرحك. تقرأ فاوست، أو تسمعني شعرك أو قصصك. لن أفهم شيئا، لكني أتذوق لغتك. تعطيني درسا فيها؟
في ليلة سفري جاءت تزورني. يدها كالعادة محملة بالهدايا. شيء ضخم، بل أشياء. ملفوفة بالورق الملون البهيج والشريط الذهبي. ما أبدع ما تختار! حتى أمي لا تصنع هذا، مختارات من شاعرها الأكبر. موسيقى للمتمرد الأصم الذي تعلم ضعفي نحوه، أغاني الحب الفرنسية التي تؤكد رومانسية لا شفاء منها. مجموعات الحكمة الشرقية والصينية: من طائفة الزن وتشوانج تسو. شطائر محشوة بالجبن الذي أحبه. وفطائر تفاح تعرف حبي له. ربطة عنق وقميص، أزرار للأكمام، دهان لحذاء المهمل، صور محفورة على الخشب للمدن التي زرناها معا، والمدينة التي عشنا فيها، للسوق وبوابة مارتن، للنافورة في الميدان، للجامعة وتمالي هوميروس وأرسطو فوق السلم، للكاتدرائية والبرج العالي والديك الذهبي عليه. - كل ما يبتدئ ينتهي.
أنشغل بحزم الحقائق وترتيب الكتب. الحجرة مهملة على غير العادة. كم رتبتها بنفسها ونظفت الدولاب والمرآة ووضعت الفوطة في مكانها.
لكن لكل نهاية بداية جديدة.
تغضب وتشيح بيدها: بالله سألتك لا تتفلسف.
أصحح خطئي: ولكني لا أتفلسف. على الأقل الآن. أرجو أن نتلاقى.
صفحه نامشخص