نحن صحابك ورفاق طريقك: هل أخطأنا في حقك خطأ الصوفية والفقراء مع الحلاج؟ هل أحببنا كلماتك أكثر مما أحببناك. فتركناك تموت لتحيا كلماتك؟ لم نفهم أن اللفظة حجر واللفظ منية، أن الكلمات مسيح يحيي الموتى، أو مسخ وبغي تلد الموت. يا جرح العمر أجبني، قل بي أرجوك الصمت. ضقت بأحوالي ضقت، بليالي وأيامي المختنقة في سحب الكلمة ضقت. في كل مساء أنوي أن أهوي في قاع الصمت، أن أتوحد بالصوت الهاتف من أعماقي، من أعماق الأرض بلا صوت، أن أجمع أشلاء العمر المتفتت في لحظة صدق، أو حتى لحظة صمت، ثم تطل عيون تستدرجني للكلمة، والكلمة موت، آه ضقت بكلماتي وبصمتي ضقت.
عشنا في الألفاظ الجوفاء سنين، نأكل نشرب نتجشأ ألفاظا، حتى صرنا ألفاظا تقتات على جثث الباطل والبهتان. هل نتعلم من درس حياتك أن نقتصد قليلا في الألفاظ، أن الكلمة إن لم تهد إلى درب الفعل، تصبح طبلا في كف أصم ولعبة طفل؟ حقا كنا الأسياد وحقا كنا، ولما كان لما نلفظ معنى. لما كانت كلمات العرب تحرك جيشا وتسير سفنا، وتشيد علما أو تصنع فنا، حتى غصنا، ساخت أرجلنا في المستنقع وغرقنا. ربي! كيف ترعرع في وادينا الطيب، هذا القدر من السفلة والأوغاد؟
كي يعطي الكلمة معناه، اختار الحلاج الموت.
كي تعطي الكلمة معناها، يا شاهد هذا العصر استشهدت.
فمتى يتعلم صناع الكلمة منك؟
ومتى يصبح صنع الكلمة تضحية حتى الموت؟
كيف نحول كلماتك أفعالا تمطر بالخير؟ ماذا نفعل كي لا نترك شبح الفقر يعربد في الطرقات ويفجر؟ مد إلينا كفك، أدفئنا من أنفاسك، لا تحرمنا صوتك وإشاراتك. واسأل ربك أن يلهمنا قول الحق، ويؤيدنا - حبا فيك - بروح الصدق. ألهمنا أن نخلع ثوب الألفاظ، ونخرج للناس كما خرج الحلاج وسقراط، أن نصهرها في نار الغضب ونغمسها في خبز الفقراء، فلعل الرقبة تنجو من مشنقة الإحباط. ألهمنا، علمنا، لا تحرمنا صوتك، حتى نجلد ظهر الأحياء-الموتى بسياط وسياط، حتى نحلو في عينيك ونبصر أنفسنا في مرآتك، في مرآة الشعب ومرآة الله. •••
كيف رحلت يا أعز الراحلين؟
متى تعود للقاء والحديث ذو شجون؟ إن كان في الموت العزاء فلأكن إليك أول المسافرين. •••
يا كم دعوتني الحكيم، ودعوتني المسيح. كم مسحت كفاك جرح قلبي الجريح، وأدركت عيناك أنني مقيد كسيح. كأنني المشلول لا أعيش لا أموت لا ألوذ بالكتمان لا أبوح. غرقت في بحار علمي العقيم غطت جثتي المتون والشروح، وكم طرقت باب حبك الكبير، وكم طعمت يا أمير من مائدة السرور، وعدت في الجراب كسرة لقلبي الكسير، وقطرة تبل غلتي في وهج الهجير. وكنت ثم كنت يا صديق، ولم أزل كجثة الغريق، مطفأة العيون في كهوف حكمتي العقيمة الدروب والجحور والشقوق، أبحث عن حقيقة تلوح، ثم تنطفئ البروق، أبحث عن طريق، ومن فؤادك الذي رأيت فيه الله والإنسان يبدأ الطريق ، فهل تراني بعد ما رحلت أبصر الطريق؟ •••
صفحه نامشخص