وأما قصة معبد، فذكرها عبدالرزاق في مصنفه، ووقوع مثل ذلك من هؤلاء على سبيل التفريط والهفوة، إما جهلا بتحريمها، أو تجاهلا عنه، ولذا بادر عمر إلى تقريعهم وتوعدهم، كما فعله أيضا فيما رواه الشافعي عن مالك عن ابن شهاب عن عروة أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب، فقالت: "إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة مولدة، فحملت منه، فخرج عمر يجر رداءه فزعا، فقال: هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيه لرجمته".
ومثل هذا لا يصدر من عمر إلا في حق غمار العامة، وأفناء الناس، الذين لا يصدر ما فعلوه عن نظر واجتهاد، لما ثبت واشتهر عن الصحابة من عدم النكير والتوعد في مسائل الخلاف بين علمائهم، فكيف تعد تلك الزلة والهفوة من صاحبها قولا معتدا به في مخالفة الإجماع إن ثبت.
أما أبوسعيد، فلم يخرج الرواية عنه في التلخيص ولا ذكرها البيهقي مع استيعابه والله أعلم بصحتها عنه.
وأما خلاف من ذكره من التابعين، فإن صحت الرواية عنهم بالقول بها لم يضر بعد تقرر التحريم قبل حدوثهم، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولذا قال الأذرعي فيما رواه الحاكم في علوم الحديث: "يترك من قول أهل الحجاز خمس، فذكر منها متعة النساء من قول أهل مكة، وإتيان النساء في أدبارهن من قول أهل المدينة".
وما أحسن ما قاله شارح بلوغ المرام وهو أن المبيحين إنما بنوا على الأصل، لما لم يبلغهم الدليل الناسخ، وليس مثل هذا من باب الاجتهاد، وإنما هم معذورون لجهل الناسخ، فالمسألة لا اجتهاد فيها بعد ظهور النص.
صفحه ۱۳