Bahth Fi Ijabah Al-Da'wah
بحث في إجابة الدعوة
ناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
شماره نسخه
السنة الثالثة والثلاثون
سال انتشار
العدد الحادي عشر بعد المائة ١٤٢١هـ/٢٠٠١م
ژانرها
بحث في إجابة الدعوة
إعداد: د. إبراهيم بن علي بن عبيد العبيد أستاذ مساعد بكلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية الجامعة الإسلامية - المدينة النبوية
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ١.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ ٢.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ ٣.
أما بعد:
فإن الدعوات في هذا العصر قد كثرت وأصبح الكثير لا يدري ما يأتي منها وما يذر سواء كانت لعرس أو إملاك أو عقيقة أو حضور ضيف أو غير ذلك.
وأصبح البعض الآخر في حرج من عدم الإجابة فأحببت أن أدلي بدلوي في هذا الباب ببحث هذه المسألة بجمع أدلتها مع تخريجها والحكم عليها وبيان
_________
١ آل عمران (١٠٢) .
٢ النساء (١) .
٣ الأحزاب (٧٠،٧١) .
1 / 97
أقوال أهل العلم فيها ومناقشتها وبيان الراجح منها حسب مايظهر لي١ وسميته: (إجابة الدعوة)
وجعلته في مقدمة ومبحثين:
المبحث الأول: حكم إجابة الدعوة.
المبحث الثاني: الأكل لمن دعي إذا حضر.
وخاتمة تشتمل على أهم النتائج في هذا البحث.
هذا وقد بذلت جهدي في إخراج هذا البحث فما كان فيه من صواب فمن توفيق الله وما كان فيه من خطأ فأسأل الله العفو والتوفيق للصواب.
والله أسأل أن ينفع به وأن يعظم به الأجر إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
-كتبه
-إبراهيم بن علي عبيد العبيد
-المدينة النبوية
-في ١/١/١٤١٧؟
_________
١ قبل الشروع في هذا البحث عقدت العزم على جمع الأحاديث الواردة في إجابة الدعوة وتخريجها من كتب السنة من مظانها وقد تم ذلك بحمد الله ومنّه وجمعت الأحاديث من الكتب التسعة ومصنف عبد الرزاق وابن أبي شيبة وشمائل الترمذي وشرح معاني الآثار وشرح مشكل الآثار ومعاجم الطبراني الثلاثة وسنن البيهقي وشرح السنة والمطالب العالية ومجمع الزوائد ومجمع البحرين وكشف الأستار.
ثم ظهر لي بعد ذلك أن لا تفرد المسألة في فصل والأحاديث في فصل آخر وإنما تضمن هذه الأحاديث مع تخريجها هذه المسألة طلبًا للإيجاز وعدم التكرار فاستعنت بالله في ذلك فذكرت الأقوال في هذه المسألة مع ذكر أدلتها ثم ناقشتها بعد ذلك مع بيان الراجح منها حسب ما ظهر لي والله الموفق.
1 / 98
المبحث الأول: حكم إجابة الدعوة
عند تأمل الأحاديث الواردة في هذه المسألة نجد أن هدي النبي ﷺ إجابة الدعوة إذا دعي إليها حتى لو دعي إلى كراع كما ثبت ذلك عنه ﷺ وقد تعددت الأحاديث القولية والفعلية في ذلك واختلفت دلالتها فبعضها ظاهر في الوجوب مطلقًا، وبعضها ظاهر في الوجوب في وليمة العرس، وبعضها ظاهر في السنية ولهذا اختلفت مذاهب أهل العلم في ذلك على أقوال هي:
القول الأول:
وجوب إجابة الدعوة مطلقًا سواء كانت عرسًا أو غيره وممن قال بهذا: بعض الشافعية وأهل الظاهر وعبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة والشوكاني وابن حزم، وقال: إن هذا قول جمهور الصحابة والتابعين١.
لكن تعقبه العراقي٢ فقال: وادعى ابن حزم أنه قول جمهور الصحابة والتابعين وفي ذلك نظر.
وقال الحافظ ابن حجر٣: وزعم ابن حزم أنه قول جمهور الصحابة والتابعين ويعكر عليه مانقلناه عن عثمان بن أبي العاص وهو من مشاهير الصحابة أنه قال في وليمة الختان: "لم يكن يدعى لها" لكن يمكن الانفصال عنه بأن ذلك لا يمنع القول بالوجوب لو دعوا ...
_________
١ المحلى (٩/٢٣،٢٥) التمهيد (١/٢٣٣) و(١٠/١٧٨) وشرح مسلم للنووي (٩/٢٣٤) المغني (٧/٢،٤) طرح التثريب (٧/٧٠،٧٧) الفتح (٩/٢٤٢، ٢٤٧) عون المعبود (١٠/٢٠٢) تحفة الأحوذي (٤/٢٢٢) نيل الأوطار (٦/٢٠٢) سبل السلام (٣/٢٧٣) .
٢ طرح التثريب (٧/٧٧) .
٣ الفتح (٩/٢٤٧) .
1 / 99
أدلة هذا القول:
١- حديث أبي هريرة ﵁ قال: "شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء، ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله ﷺ".
أخرجه البخاري١، ومسلم٢، وأبو داود٣، والنسائي٤، وابن ماجه٥، وفي لفظ لمسلم مرفوعًا جميعه٦.
_________
١ في صحيحه (٥/١٩٨٥ رقم ٤٨٨٢) كتاب النكاح، باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله.
٢ في صحيحه (٢/١٠٥٤ رقم ١٤٣٢) كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوته.
٣ في السنن (٤/١٢٥ رقم ٣٧٤٢) كتاب الأطعمة، باب ماجاء في إجابة الدعوة.
٤ في الكبرى (٤/١٤١ رقم ٦٦١٢، ٦٦١٣) كتاب الوليمة، باب طعام العرس.
٥ في السنن (١/٦١٦ رقم ١٩١٣) كتاب النكاح، باب إجابة الداعي.
٦ قال الحافظ ابن حجر: وأول هذا الحديث موقوف ولكن أمره يقتضي رفعه ذكر ذلك ابن بطال قال ومثله حديث أبي الشعثاء أن أبا هريرة أبصر رجلًا خارجًا من المسجد بعد الآذان فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم قال ومثل هذا لايكون رأيًا ولهذا أدخله الأئمة في مسانيدهم انتهى.
وذكر ابن عبد البر أن جل رواة مالك لم يصرحوا برفعه وقال فيه روح بن القاسم عن مالك بسنده قال رسول الله ﷺ انتهى.
وكذا أخرجه الدارقطني في غرائب مالك من طريق إسماعيل بن مسلمة بن قعنب عن مالك. وقد أخرجه مسلم من رواية معمر وسفيان بن عيينة عن الزهري شيخ مالك كما قال مالك. ومن رواية أبي الزناد عن الأعرج كذلك والأعرج شيخ الزهري فيه هو عبد الرحمن كما وقع في رواية سفيان قال: سألت الزهري فقال: حدثني عبد الرحمن الأعرج أنه سمع أبا هريرة فذكره.
ولسفيان فيه شيخ آخر بإسناد آخر إلى أبي هريرة صرح فيه يرفعه إلى النبي ﷺ أخرجه مسلم أيضًا من طريق سفيان سمعت زياد بن سعد يقول: سمعت ثابتًا الأعرج يحدث عن أبي هريرة "أن النبي ﷺ قال: فذكر نحوه" وكذا أخرجه أبو الشيخ من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعًا صريحًا وأخرج له شاهدًا من حديث ابن عمر كذلك. ا؟.
الفتح (٩/٢٤٤) التمهيد (١٠/١٧٥) وقال في التلخيص (٣/١٩٥): وفي رواية لمسلم التصريح برفع جميعه وتعقبها الدارقطني في العلل.
1 / 100
وفي الباب عن ابن عمر١، وابن عباس٢ ﵃.
ووجه الدلالة منه أن العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب والوليمة تشمل العرس وغيره٣.
٢- حديث ابن عمر ﵄ أن رسول الله ﷺ قال: "إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها".
أخرجه البخاري٤، ومسلم٥، وأبو داود٦، والنسائي٧.
وفي لفظ متفق عليه "أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم لها". قال: وكان عبد الله يأتي الدعوة في العرس وغير العرس ويأتيها وهو صائم".
وفي لفظ لمسلم وأبي داود "إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسًا كان أو نحوه".
_________
١ أخرجه أبو الشيخ كما ذكره الحافظ في الفتح (٩/٢٤٤) وأخرجه ابن عدي في الكامل (٣/١١٤٨) لكن في إسناده سلام بن سليم قال فيه الحافظ متروك.
التقريب (٢٦١) .
٢ أخرجه الطبراني في الكبير (١٢/١٥٩ رقم ١٢٧٥٤) والأوسط كما في مجمع البحرين (٣/٣٢٨ رقم ١٩٠٣) كتاب الوليمة، باب في الطعام يدعى إليه الشبعان ويحبس عنه الجيعان، والبزار كما في كشف الأستار (٢/٧٥ رقم ١٢٤٠) أبواب الصيد، باب الوليمة.
قال الهيثمي في المجمع (٤/٥٣): وفيه سعيد بن سويد المعولي ولم أجد من ترجمه، وفيه عمران القطان وثقه أحمد وجماعة وضعفه النسائي وغيره. ا؟.
٣ الفتح (٩/٢٤٥) النيل (٦/٢٠٢) .
٤ في صحيحه (٥/١٩٨٤رقم ٤٨٧٨) كتاب النكاح، باب حق إجابة الوليمة والدعوة، وانظر رقم (٤٨٨٤) .
٥ في صحيحه (٢/١٠٥٢ رقم ١٤٢٩) كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي الدعوة.
٦ في السنن (٤/١٢٣ رقم ٣٧٣٦) كتاب الأطعمة، باب ماجاء في إجابة الدعوة، وانظر رقم (٢٧٣٨) .
٧ في الكبرى (٤/١٤٠ رقم ٦٦٠٨) كتاب الأطعمة، باب إجابة الدعوة.
1 / 101
وله ألفاظ أخر١.
ووجه الدلالة منه أن النبي ﷺ أمر بإجابة الوليمة والدعوة والأصل في الأمر الوجوب إلا أن يصرفه صارف، وقالوا إن الوليمة والدعوة تشمل العرس وغيره ويؤيد هذا رواية مسلم وغيره "عرسًا كان أو نحوه" وأن عبد الله بن عمر وهو راوي الحديث كان يأتي الدعوة في العرس وهو صائم٢.
وفي لفظ لأبي داود٣، وابن عدي٤، والبيهقي٥ قال: قال رسول الله ﷺ:
_________
١ ومن هذه الألفاظ ما عند مسلم بلفظ "من دعي إلى عرس أو نحوه فليجب" وفي لفظ له أيضًا: "إذا دعيتم إلى كراع فأجيبوا" وفي لفظ له للترمذي (٣/٣٩٥ رقم ١٠٩٨) "ائتوا الدعوة إذا دعيتم" وفي لفظ له ولابن ماجه (١/٦١٦ رقم ١٩١٤): "إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب" وفي لفظ لأبي داود (٤/١٢٤ رقم ٣٧٣٧) والبيهقي (٧/٢٦٣) "فإن كان مفطرًا فليطعم وإن كان صائمًا فليدع" ورجال إسناده ثقات ويشهد له حديث أبي هريرة وغيره كما سيأتي ص (١٠٨) وفي لفظ لابن حبان في صحيحه بإسناد صحيح "كان ابن عمر إذا دعي ذهب إلى الداعي فإن كان صائما دعي بالبركة ثم انصرف وإن كان مفطرًا جلس فأكل".
قال نافع: قال ابن عمر: قال رسول الله ﷺ: "إذا دعيتم إلى كراع فأجيبوا" - الإحسان (١٢/١٠١ رقم ٥٢٩٠) .
وفي لفظ للطحاوي في المشكل (٨/٢٥ رقم ٣٠٢٢، ٣٠٢٣) "إذا دعي أحدكم أخاه لحق فليأته لدعوة عرس أو نحوه" وفيه محمد بن عبدا لرحمن بن غنج قال فيه الحافظ: مقبول، لكن قال فيه الإمام أحمد: شيخ مقارب الحديث، وقال أبو حاتم: صالح الحديث لا أعلم أحدًا روى عنه غير الليث بن سعد. وقال ابن حبان: حدث عن نافع بنسخة مستقيمة.
رواية الميموني عن الإمام أحمد (١٩٧ رقم ١٥٠) الجرح والتعديل (٧/٣١٨) الثقات (٧/٤٢٤) التقريب (٤٩٢) .
٢ شرح مسلم للنووي (٩/٢٣٤) طرح التثريب (٧/٧٧) الفتح (٩/٢٤٧) .
٣ في السنن (٤/١٢٥ رقم ٣٧٤) كتاب الأطعمة، باب ماجاء في إجابة الدعوة.
٤ في الكامل (١/٣٨٠) .
٥ في السنن (٣/٢٦٥) كتاب الصداق، باب من لم يدع ثم جاء فأكل لم يحل له ماأكل إلا بأن يحل له صاحب الوليمة كلهم من طريق دُورست بن زياد عن أبان بن طارق عن نافع عن ابن عمر به. وسنده ضعيف فيه أبان بن طارق مجهول ودورست ضعيف وقال أبو داود عقبه: أبان بن طارق مجهول. وضعف الحديث العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (٢/٩١٥) .
وأخرجه ابن عدي من طريق خالد بن الحارث عن أبان بن طارق به، وقال أبان بن طارق هذا لا يعرف إلا بهذا الحديث وهذا الحديث معروف به وله غير هذا الحديث لعله حديثان أو ثلاثة وليس له أنكر من هذا.
وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (١/١٤٨ رقم ٥٢٥) من طريق الزهري مرسلًا.
وأخرجه أحمد في المسند (٢/٦١) من طريق العمري عن نافع وفي سنده العمري. والحاصل أن الحديث ضعيف بهذا اللفظ.
1 / 102
"من دعي فلم يجب فقد عصى الله ورسوله ومن دخل على غير دعوة دخل سارقًا وخرج مغيرًا".
وفي هذا اللفظ قال: "من دعي فلم يجب" ولم يخصها بالوليمة.
وفي لفظ لأبي يعلي١ "إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليجبها ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله".
ووجه الدلالة أنه سمى من لم يجب الدعوة عاصيًا لله ولرسوله.
قال ابن حزم٢: فإن قيل قد جاء في بعض الآثار "إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب" قلنا نعم لكن الآثار التي أوردنا فيها زيادة غير العرس مع العرس وزيادة العدل لايحل تركها.
٣- حديث البراء بن عازب ﵁ قال: "أمرنا النبي ﷺ بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بإتباع الجنائز، وعيادة المريض، وإجابة الداعي، ونصرة المظلوم، وإبرار القسم، ورد السلام، وتشميت العاطس، ونهانا عن آنية الفضة، وخاتم الذهب، والحرير، والديباح، والقسى، والإستبرق".
_________
١ في مسنده كما ذكره الحافظ في التلخيص (٣/١٩٥) وساقه مسندًا وصحح سنده.
٢ في المحلى (٩/٢٤) .
1 / 103
أخرجه البخاري١، ومسلم٢، والترمذي٣، والنسائي٤.
وفي الباب عن أبي موسى ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "فكوا العاني، وأجيبوا الداعي وعودوا المريض" أخرجه البخاري٥.
ووجه الدلالة منهما أن النبي ﷺ أمر بإجابة الداعي مطلقًا والأصل في الأمر الوجوب.
٤- عن أبي هريرة ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس".
أخرجه البخاري٦، ومسلم٧، وأبو داود٨، وابن ماجه٩.
وفي لفظ لمسلم أيضًا، ولفظ أبي داود "خمس تجب للمسلم على أخيه".
_________
١ في صحيحه (١/٤١٧ رقم ١١٨٢) كتاب الجنائز، باب الأمر باتباع الجنائز.
وكذا أخرجه برقم (٢٣١٣، ٤٨٨٠، ٥٣١٢، ٥٥٢٥، ٥٨٦٨) .
٢ في صحيحه (٣/١٦٣٥ رقم ٢٠٦٦) كتاب اللباس والزينة باب تحريم استعمال الذهب والفضة على الرجال والنساء.
٣ في السنن (٥/١١٧رقم ٢٨٠٩) كتاب الأدب، باب ماجاء في كراهية لبس المعصفر للرجال والقسى.
٤ في السنن (٨/٢٠١ رقم ٥٣٠٩) كتاب الزينة، باب النهي عن الثياب القسية.
٥ في صحيحه (٥/١٩٨٤ رقم ٢٨٧٩) كتاب النكاح، باب حق إجابة الوليمة والدعوة ومن أولم سبعة أيام ونحوه.
٦ في صحيحه (١/٤١٨ رقم ١١٨٣) كتاب الجنائز، باب الأمر باتباع الجنائز.
٧ في صحيحه (٤/١٧٠٤ رقم ٢١٦٢) كتاب الجنائز، باب ماجاء في عيادة المريض.
٨ في السنن (٥/٢٨٨ رقم ٥٠٣٠) كتاب الأدب، باب في العطاس.
٩ في السنن (١/٤٦١) كتاب الجنائز، باب ما جاء في عيادة المريض.
وأخرجه مسلم والنسائي في السنن (٤/٥٣ رقم ١٩٣٨) والبخاري في الأدب المفرد (٣٠٩ رقم ٩٢٨) والترمذي في السنن (٥/٨٠ رقم ٢٧٣٧) بلفظ: "حق المسلم على المسلم ست"، وزادوا "إذا استنصحك فانصح له".
1 / 104
وفي الباب عن علي١، وأبي مسعود٢، وأبي
_________
١ حديث علي رضي اله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "للمسلم على المسلم ست بالمعروف: يسلم عليه إذا لقيه، ويجيبه إذا دعاه، ويشمته إذا عطس، ويعوده إذا مرض، ويتبع جنازته إذا مات، ويحب له ما يحب لنفسه".
أخرجه الترمذي (٥/٨٠ رقم ٢٧٣٦) كتاب الأدب، باب ما جاء في تشميت العاطس، وابن ماجه في السنن (١/٤٦١ رقم ١٤٣٣) كتاب الجنائز، باب ماجاء في عيادة المريض، وأحمد في المسند (١/٨٩) والدارمي في السنن (٢/٢٧٥) كتاب الاستئذان، باب في حق المسلم على المسلم، وأبو يعلي في المسند (١/٣٤٢ رقم ٤٣٥) وابن عدي في الكامل (٧/٢٧٠١) من طريق أبي إسحاق عن الحارث بن علي به وسنده ضعيف لضعف الحارث الأعور.
وأخرجه أبو يعلي في المسند (١/٣٩٢ رقم ٥٠٩) من طريق يحيى بن نصر بن حاجب حدثنا هلال بن خباب عن زاذان عن علي بنحوه، لكن في سنده يحيى بن نصر قال أبو زرعة: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: تكلم الناس فيه.
وقال الذهبي: وأما ابن عدي فروى له أحاديث حسنة وقال: أرجو أنه لا بأس به. ا؟.
وهذا الحديث مما أخرجه ابن عدي في ترجمة يحيى بن نصر ثم إنه يشهد له ما تقدم حديث أبي هريرة.
الجرح والتعديل (٩/١٩٣) الميزان (٤/٤١٢) الكامل (٧/٢٧٠٢) .
٢ حديث أبي مسعود رضي اله عنه عن النبي ﷺ قال: "أربع للمسلم على المسلم: أن يعوده إذا مرض، ويشهده إذا مات، ويجيبه إذا دعاه، ويشمته إذا عطس".
أخرجه البخاري في الأدب المفرد (٣٠٩ رقم ٩٢٦) وابن ماجه في السنن (١/٤٦١ رقم ١٤٣٤) كتاب الجنائز، باب ما جاء في عيادة المريض، وأحمد في المسند (٥/٢٧٣) وابن حبان في صحيحه (١/٤٧٥ رقم ٢٤٠) كتاب الإيمان، باب ذكر البيان بأن المصطفى ﷺ لم يرد بهذا العدد المذكور نفيًا عما وراءه، وبحشل في تاريخ واسط (٢١٧) والحاكم في المستدرك (١/٣٤٩) كلهم من طريق عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن حكيم بن أفلح عن أبي مسعود به.
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (١/٤٦٢): هذا إسناده صحيح.
وفي هذا التصحيح نظر وذلك لأن فيه حكيم بن أفلح لم يوثقه غير ابن حبان.
قال الذهبي في الميزان (١/٥٣٨): تفرد عنه والده عبد الحميد بن جعفر.
وقال الحافظ في التقريب (١٧٦): مقبول. لكن يشهد له ما سبق من حديث البراء وأبي هريرة.
1 / 105
أيوب١ ﵃.
ووجه الدلالة أن المراد بالحق الوجوب بدليل رواية مسلم وأبي داود.
قال الحافظ٢: "وقد تبين أن معنى الحق هنا الوجوب خلافًا لقول ابن بطال المراد حق الحرمة والصحبة والظاهر أن المراد به هنا وجوب الكفاية".ا؟
وحديث أبي أيوب نص في الوجوب لو صح لكنه ضعيف.
٥- حديث أبي أمامة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: "من دعاكم فأجيبوه".
أخرجه الطبراني في الكبير٣.
ووجه الدلالة ظاهرة كالدليل الثاني.
٦- حديث ابن مسعود ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "أجيبوا الداعي، ولا تردوا الهدية، ولا تضربوا المسلمين".
_________
١ حديث أبي أيوب أخرجه البخاري في الأدب المفرد واللفظ له (٣٠٨ رقم ٩٢٥) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (٨/٣١ رقم ٣٠٣٤) وأحمد بن منيع كما في المطالب العالية (٢/٣٢٥ رقم ٢٣٨٤) من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي قال حدثني أبي أنهم كانوا في غزاة في البحر زمن معاوية فانضم مركبنا إلى مركب أبي أيوب الأنصاري فلما حضر غداؤنا أرسلنا إليه فأتانا فقال: دعوتموني وأنا صائم فلم يكن لي بد من أن أجيبكم لأني سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن للمسلم على أخيه المسلم ست خصال واجبة إن ترك منها شيئًا فقد ترك حقًا واجبًا لأخيه عليه: يسلم عليه إذا لقيه، ويجيبه إذا دعاه، ويشمته إذا عطس، ويعوده إذا مرض، ويحضره إذا مات، وينصحه إذا استنصحه".
وسنده ضعيف لضعف الأفريقي لكن يشهد له بالجملة حديث أبي هريرة وغيره لكن بدون قوله "إن ترك منها شيئًا فقد ترك حقًا واجبًا لأخيه عليه" وكذا قول أبي أيوب.
٢ الفتح (٣/١١٣) .
(٨/٢٣١ رقم ٧٩٠٤) من طريق محمد بن عبد الله العرزمي عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة به.
قال الهيثمي في المجمع (٤/٥٢): وفيه محمد بن عبيد الله العرزمي وهو ضعيف. ا؟.
وفيه أيضًا علي بن يزيد ضعيف كما في التقريب (٤٠٦) .
1 / 106
أخرجه أحمد١، وابن أبي شيبة٢، والبخاري في الأدب المفرد٣، والبزار٤، والطحاوي٥، وابن حبان٦، والطبراني٧.
ووجه الدلالة منه ظاهرة كالدليل الثاني.
٧- حديث جابر ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك".
أخرجه مسلم٨، وأبو داود٩، والنسائي١٠.
_________
١ في المسند (١/٤٠٤) .
٢ في المصنف (٦/٥٥٥ رقم ٢٠٢٧) كتاب البيوع والأقضية، باب في الرجل يهدي إلى الرجل أو يبعث إليه.
(٦٨ رقم ١٥٧) باب حسن الملكة.
٤ في مسنده كما في كشف الأستار (٢/٧٦ رقم ١٢٤٣) أبواب الصيد، باب إجابة الدعوة.
٥ في شرح مشكل الآثار (٨/٢٩ رقم ٣٠٣١) باب مشكل ما روى عن النبي ﷺ في الطعام الذي يجب على من دعي عليه إتيانه.
٦ في صحيحه -الإحسان (١٢/٤١٨ رقم ٥٦٠٣) كتاب الحظر والإباحة، باب ذكر الزجر عن ضرب المسلمين كافة إلا ما يبيحه الكتاب والسنة.
٧ في المعجم الكبير (١٠/٢٤٢ برقم ١٠٤٤٤) .
كلهم عن طريق الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود به.
وإسناده صحيح وأما عنعنة الأعمش فمحمولة على السماع لأن شيخه أبو وائل.
قال الذهبي في الميزان (٢/٢٢٤): وهو يدلس وربما دلس عن ضعيف ولا يدري به فمتى قال حدثنا فلا كلام ومتى قال عن تطرق إليه احتمال التدليس إلا عن شيوخ أكثر عنهم كإبراهيم وأبي وائل وأبي صالح السمان فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال.
وذكره الحافظ في كتابه تعريف أهل التقديس (٦٧) في المرتبة الثانية من المدلسين.
وقال الهيثمي في المجمع (٤/٥٢)، ورجال أحمد رجال الصحيح.
٨ في صحيحه (٢/١٠٥٤ رقم ١٤٣٠) كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوه.
٩ في السنن (٤/١٢٤ رقم ٣٧٤٠) كتاب الأطعمة، باب ما جاء في إجابة الدعوة.
١٠ في الكبرى (٢/١٤٠ رقم ٦٦١٠) كتاب الوليمة، باب إجابة الدعوة وإن لم يأكل.
كلهم من طرق عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر به.
1 / 107
وأخرجه ابن ماجه١ وزاد "وهو صائم" وفي الباب عن أبي هريرة٢، وابن مسعود٣.
ووجه الدلالة أن هذا أمر والأصل في الأمر الوجوب.
_________
١ في السنن (١/٥٥٧ رقم ١٧٥١) كتاب الصيام، باب من دعي إلى طعام وهو صائم.
من طريق أحمد بن يوسف السلمي ثنا أبو عاصم أنبأنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر به، ورجال إسناده ثقات لكن أبا الزبير عنعنه وهو مدلس.
ورواه ابن نمير كما عند مسلم ويزيد بن سنان كما عند الطحاوي في المشكل (٨/٢٨ رقم ٣٠٣٠) وعمرو بن علي بن بحر كما عند ابن حبان (١٢/١١٥ رقم ٥٣٠٣) كلهم عن أبي عاصم عن ابن جريج عن أبي الزبير به بدون هذه الزيادة وأبو الزبير صرح بالتحديث عند الطحاوي فهؤلاء الثلاثة خالفوا أحمد بن يوسف السلمي فلم يذكروا هذه الزيادة مع ما فيها من عنعنة أبي الزبير، وكذلك رواه سفيان عن أبي الزبير بدونها كما عند مسلم وغيره.
٢ حديث أبي هريرة أخرجه مسلم في صحيحه (٢/١٠٥٤ رقم ١٤٣١) كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة، وأبو داود في السنن (٢/٨٢٨ رقم ٢٤٦٠) كتاب الصيام، باب في الصائم يدعى إلى وليمة.
والترمذي في السنن (٣/١٤١ رقم ٧٨٠) كتاب الصوم، باب ما جاء في إجابة الصائم الدعوة، والنسائي في الكبرى (٤/١٤١ رقم ٦٦١١) كتاب الوليمة، باب إجابة الصائم الدعوة كلهم من طريق ابن سيرين عن أبي هريرة رضي اله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائمًا فليصل وإن كان مفطرًا فليطعم".
٣ حديث ابن مسعود أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (٢٦٩ رقم ٣٠٠) باب ما يقول إذا دعي وكان صائمًا، والطبراني في الكبير (١٠/٢٨٥ رقم ١٠٥٦٣) وابن السني في عمل اليوم والليلة (٢٣٠ رقم ٤٨٩) باب ما يقول إذا حضر الطعام وهو صائم من طريق شعبة عن أبي جعفر الفراء عن عبد الله بن شداد عن عبد الله بن مسعود رضي اله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرًا فليأكل وإن كان صائمًا فليدع بالبركة".
وسنده صحيح ويشهد له ما سبق من حديث أبي هريرة.
وأخرجه أبو القاسم البغوي في الجعديات (١/٢٦٢ رقم ٨٧٤) وفي المسند (١/٤٧٦ رقم ٨٩٨) عن شعبة عن أبي جعفر الفراء قال: عملت طعامًا فدعوت عبد الله بن شداد بن الهاد فجاء وهو صائم ثم قال: إن رسول الله ﷺ قال به مرسلًا.
ولكن هذا لا يؤثر في وصله فقد رواه ابن منيع عن علي بن الجعد عن شعبة به موصولًا وتابع علي بن الجعد على وصله عن شعبة يحيى بن أبي كثير كما عند ابن السني.
1 / 108
٨- عن عكرمة بن عمار سمعت أبا غادية اليمامي قال: "أتيت المدينة فجاء رسول كثير بن الصلت فدعاهم فما قام إلا أبو هريرة وخمسة منهم أنا فذهبوا فأكلوا ثم جاء أبو هريرة ثم قال: والله يا أهل المسجد إنكم لعصاة لأبي القاسم ﷺ".
أخرجه أحمد١.
ووجه الدلالة ظاهرة حيث سمى من لم يجب عاصيًا.
٩- حديث عياض بن أشرس السلمي قال: رأيت يعلي بن مرة دعوته إلى مأدبة فقعد صائمًا فجعل الناس يأكلون ولا يطعم فقلت له: والله لو علمنا أنك صائم ما عتبناك قال: لا تقولوا ذلك فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: "أجب أخاك فإنك منه على اثنتين إما خير فأحق ما شهدته، وإما غيره فتنهاه عنه وتأمره بالخير".
أخرجه الطبراني في الكبير٢.
ووجه الدلالة منه أن النبي ﷺ أمر بإجابة الدعوة.
قال الشوكاني٣: "والظاهر الوجوب للأوامر الواردة بالإجابة من غير صارف لها من الوجوب ولجعل الذي لم يجب عاصيًا وهذا في وليمة النكاح في غاية الظهور وأما في غيرها من الولائم الآتية فإن صدق عليها اسم الوليمة شرعًا كما سلف في أول الباب كانت الإجابة إليها واجبة ... ".
وقال أيضًا: ولكن الحق ما ذهب إليه الأولون يعني القول بالوجوب.
_________
١ في المسند (٢/٢٨٩) من طريق روح عن عكرمة به، وفي سنده أبو غادية مجهول كما قال الحافظ في تعجيل المنفعة (٢/٥٢٣) .
(٢٢/٢٧١ رقم ٦٩٦) من طريق عمر بن عبد الله بن يعلي عن عياض به.
قال الهيثمي: وفيه عمر بن عبد الله بن يعلي وهو ضعيف.
مجمع الزوائد (٤/٥٣) .
٣ النيل (٦/٢٠٢) .
1 / 109
القول الثاني:
أن إجابة الدعوة سنة مطلقًا في العرس وغيره وممن قال بهذا القول:
بعض الشافعية والحنابلة وذكر اللخمي من المالكية أنه المذهب١ وابن عبد البر٢.
أدلة هذا القول:
استدل أصحاب هذا القول بعموم أدلة أصحاب القول الأول وأنها تدل على السنية واستدلوا أيضًا بأن النبي ﷺ كان هدْيُهُ إجابة الدعوة كما ورد في أحاديث كثيرة منها:
١- حديث أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: "لو دعيت إلى كُراع لأجبت، ولو أهدي إليَّ كراع لقبلت".
أخرجه البخاري٣، والنسائي٤، ولفظه "لو دعيت إلى كراع أو إلى ذراع ولو أهدي إلىَّ ذراع أو كراع لقبلت " وفي الباب عن أنس٥
_________
١ وفي التمهيد عن مالك إن إجابة الوليمة واجبة دون غيرها (١/٢٧٢) وقال الحسيني: مذهب مالك وجوب الإجابة خلافًا لحكاية ابن القصار.
مكمل إكمال الإكمال (٥/٩٣) .
٢ التمهيد (١/٢٧٢) شرح مسلم للنووي (٩/٢٣٤) طرح التثريب (٧/٧٧) الفتح (٩/٢٤٢) النيل (٦/٢٠٢) السبل (٣/٢٧٣) تحفة الأحوذي (٤/٢٢٣) .
٣ في صحيحه (٥/١٩٨٥ رقم ٤٨٨٣) كتاب النكاح، باب من أجاب إلى كراع.
٤ في السنن الكبرى (٤/١٤٠ رقم ٦٦٠٩) كتاب الوليمة، باب إجابة الدعوة إلى ذراع.
٥ حديث أنس أخرجه الترمذي (٣/٦١٤ رقم ١٣٣٨) كتاب الأحكام، باب ما جاء في قبول الهدية وإجابة الدعوة، وأحمد في المسند (٣/٢٠٩) وابن حبان في صحيحه -الإحسان (١٢/١٠٣ رقم ٥٢٩٢) كتاب الأطعمة، باب ذكر الزجر عن ترك المرء إجابة الدعوة وإن كان المدعو إليه تافهًا.
من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس رضي اله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "لو أهدي إليَّ كراع لقبلت ولو دعيت عليه لأجبت" وسنده صحيح واختلاط سعيد لا يؤثر لأن من الرواة عنه روح ويزيد بن زريع وهما ممن رويا عنه قبل الاختلاط كما قاله الإمام أحمد الكواكب النيرات (١٩٥، ٢٠٨) شرح علل الترمذي لابن رجب (٢/٥٦٥) .
وأخرجه البيهقي في السنن (٦/١٦٩) كتاب الهبات، باب التحريض على الهبة والهدية من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس به وسعيد بن بشير عن قتادة قال ابن نمير: يروى عن قتادة المنكرات.
وقال ابن حبان: يروى عن قتادة مالا يتابع عليه.
تهذيب الكمال (١٠/٣٥٤) المجروحين (١/٣١٩) .
1 / 110
وابن عباس١ ﵃.
٢- حديث سهل بن سعد ﵁ قال: "دعا أبو أسيد الساعدي رسول الله ﷺ في عرسه وكانت امرأته يومئذ خادمهم، وهى العروس، قال سهل: تدرون ما سقت رسول الله ﷺ أنقعت له تمرات من الليل فلما أكل سقته إياه".
أخرجه البخاري٢، ومسلم٣، وفي الباب عن أنس٤، وأبي
_________
١ أما حديث ابن عباس ﵄ فأخرجه الطبراني في الأوسط (٨/٤٧٥، ٤٧٦ رقم ٧٩٨٥) من طريق بشر بن السّري عن عبد الله بن المؤمل عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: "لو دعيت إلى كراع لأجبت".
قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن المؤمل وثقه ابن سعد، وابن حبان وقال: يخطئ.
وضعفه جماعة. المجمع (٤/٥٣) .
وقال الحافظ فيه: ضعيف الحديث. التقريب (٣٢٥) .
٢ في صحيحه (٥/١٩٨٤ رقم ٤٨٨١) كتاب النكاح، باب حق إجابة الوليمة والدعوة ومن أولم سبعة أيام ونحوه.
وأخرجه برقم (٤٨٨٧، ٤٨٨٨، ٥٢٦٩، ٥٢٧٥، ٦٣٠٧) .
٣ في صحيحه (٣/١٥٩٠ رقم ٢٠٠٦) كتاب الأشربة، باب إباحة النبيذ الذي لم يشتد ولم يصر مسكرًا.
٤ حديث أنس أخرجه البخاري في صحيحه (٢/٧٣٧ رقم ١٩٨٦) كتاب البيوع، باب ذكر الخياط وأخرجه برقم (٥١٠٤، ٥١١٧، ٥١١٩، ٥١٢١، ٥١٢٣) ومسلم في صحيحه (٣/١٦١٥ رقم ٢٠٤١) كتاب الأشربة، باب جواز أكل المرق واستحباب أكل اليقطين، وأبو داود في السنن (٤/١٤٦ رقم ٣٧٨٢) كتاب الأطعمة، باب في أكل الدباء، والترمذي في السنن (٤/٢٨٤ رقم ١٨٤٩) كتاب الأطعمة، باب ماجاء في أكل الدباء من طريق مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس رضي اله عنه أن خياطًا دعا رسول الله ﷺ لطعام صنعه قال أنس بن مالك: فذهبت مع رسول الله ﷺ إلى ذلك الطعام فقرب إلى رسول الله ﷺ خبزًا ومرقًا فيه دباء وقديد فرأيت النبي ﷺ يتتبع الدباء من حوالي القصعة قال فلم أزل أحب الدباء من يومئذ.
1 / 111
طلحة١ ﵄.
٣- حديث أنس ﵁ قال: "كان رسول الله ﷺ يعود المريض ويشهد الجنازة ويركب الحمار ويجيب دعوة العبد، وكان يوم بني قريظة على حمار مخطوم بحبل من ليف عليه إكاف٢ ليف".
أخرجه الترمذي٣، وابن ماجه٤، وابن سعد٥، وابن أبي شيبة٦، وابن أبي الدنيا٧، وأبو الشيخ٨، والبيهقي٩.
_________
١ حديث أبي طلحة أخرجه البخاري في صحيحه (٥/٢٠٧٦ رقم ٥١٣٥) كتاب الأطعمة، باب من أدخل الضيفان عشرة عشرة وأخرجه برقم (٤١٢، ٣٣٨٥، ٥٠٦٦، ٦٣١٠) ومسلم في صحيحه (٣/١٦١٢ رقم ٢٠٤٠) كتاب الأشربة، باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك وبتحققه تحققًا تامًا عن أنس رضي اله عنه قال: بعثني أبو طلحة إلى رسول الله ﷺ لأدعوه وقد جعل طعامًا فأقبلت ورسول الله ﷺ مع الناس فنظر إليَّ فاستحييت فقلت أجب أبا طلحة فقال للناس قوموا فقال أبو طلحة: يا رسول الله صنعت لك شيئًا قال: فمسها رسول الله ﷺ ودعا فيها بالبركة ثم قال: "أدخل نفرًا من أصحابي عشرة وقال: كلوا وأخرج لهم شيئًا من بين أصابعه فأكلوا حتى شبعوا فخرجوا فقال: ادخل عشرة فأكلوا حتى شبعوا فمازال يدخل عشرة ويخرج عشرة حتى لم يبق منهم أحد إلا دخل فأكل حتى شبع ثم هيأها فإذا هى مثلها حين أكلوا منها".
وله ألفاظ أخر أطول من هذا.
٢ الإكاف والأكفاف من المراكب شبه الرحّال والأقتاب. اللسان (٩/٨) .
٣ في السنن (٣/٣٢٨ رقم ١٠١٧) كتاب الجنائز، باب ٣٢
وأخرجه في الشمائل (٢٦٢ رقم ٣١٥) باب ما جاء في تواضع رسول الله ﷺ.
٤ في السنن (٢/١٣٩٨ رقم ٤١٧٨) كتاب الزهد، باب البراءة من الكبر والتواضع.
٥ في الطبقات (١/٣٧١) .
٦ في المصنف (٣/١٦٤) كتاب الزكاة، باب من قال على العبد زكاة في ماله لكنه مختصر.
٧ في التواضع (١٥٢ رقم ١١٣) باب التواضع.
٨ في أخلاق النبي ﷺ (٢٠١، ٢٠٢) باب ذكر عيادته المريض ﷺ.
٩ في دلائل النبوة (١/٣٣٠) كلهم من طريق مسلم الأعور عن أنس به وسنده ضعيف.
قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث مسلم، عن أنس، ومسلم الأعور يضعف وهو مسلم بن كيسان تكلم فيه وقد روى عن شعبة وسفيان الملائي.
وأخرجه ابن سعد نحوه لكن في سنده عمرو بن حبيب العدوي ضعيف كما قاله الحافظ في التقريب (٤١٠) .
1 / 112
٤- حديث أنس ﵁ قال: "كان النبي ﷺ يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة فيجيب ولقد كان له درع عند يهودي فما وجد ما يفكها حتى مات".
أخرجه الترمذي في الشمائل١، وأبو يعلي٢، وأبو الشيخ٣.
وفي الباب عن ابن عباس٤ ﵄.
ووجه الدلالة من هذه الأحاديث أن هدي النبي ﷺ هو إجابة الدعوة وهذا فعل وهو يدل على السنية.
القول الثالث:
التفصيل وهو أن إجابة الدعوة تجب في العرس دون غيره.
وممن قال بهذا: مالك والثوري والشافعي والخطابي والعنبري والحنفية
_________
(٢٦٣ رقم ٣١٦) باب ما جاء في تواضع رسول الله ﷺ.
٢ في المسند (٧/٨٣ رقم ٤٠١٦) .
٣ في أخلاق النبي ﷺ (٢٠٠) باب ذكر قبول الهدية وإثابته عليها ﷺ كلهم من طريق ابن فضيل عن الأعمش عن أنس به.
والأعمش لم يسمع من أنس - وقد عنعنه - كما قاله ابن المديني.
المراسيل لابن أبي حاتم (٨٢) .
والحديث في البخاري وغيره بلفظ "عن أنس ﵁ أنه مشى إلى النبي ﷺ بخبز شعير وإهالة سنخة ولقد رهن النبي ﷺ درعًا له بالمدينة عند يهودي وأخذ منه شعيرًا لأهله ولقد سمعته يقول: ما أمسى عند آل محمد ﷺ صاع بر ولا صاع حب وإن عنده لتسع نسوة".
البخاري في صحيحه (٢/٧٢٩ رقم ١٩٦٣) كتاب البيوع، باب شراء النبي ﷺ بالنسيئة.
٤ حديث ابن عباس أخرجه الطبراني في الأوسط (١/١٨٨ رقم ٢٥٧) والصغير (١/٢٢، ٢٣) من طريق أبي مسلم قائد الأعمش عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس ﵄ قال: إن كان الرجل من أهل العوالي ليدعو النبي ﷺ على خبز الشعير فيجيبه.
وقال: لم يروه عن الأعمش إلا أبو مسلم ولا عن أبي مسلم إلا عمرو بن عثمان تفرد به يحيى بن سليمان.
وقال الهيثمي في المجمع (٤/٥٣) وفيه أبو مسلم قائد الأعمش وثقه ابن حبان وقال: يخطئ وضعفه جماعة.
1 / 113
وجمهور الحنابلة وجمهور الشافعية وهو المشهور عنهم وبالغ السرخسي منهم فنقل الإجماع١ وهو قول الجمهور.
ونقل القاضي عياض وغيره الاتفاق على وجوب الإجابة في وليمة العرس٢.
لكن اعترض على هذا النقل الحافظ ابن حجر٣ فقال: "وقد نقل ابن عبد البر ثم عياض ثم النووي الاتفاق على القول بوجوب الإجابة إلى وليمة العرس وفيه نظر نعم المشهور من أقوال العلماء الوجوب وصرح جمهور الشافعية والحنابلة أنها فرض عين ونص عليه مالك وعن بعض الشافعية والحنابلة أنها مستحبة وذكر اللخمي من المالكية أنه المذهب ... ".
أدلة هذا القول:
١- عموم أحاديث الباب وأنها تدل على السنية إلا ما نص عليه وهو وليمة العرس.
٢- حديث أبي هريرة ﵁ قال: "شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله"٤.
ووجه الدلالة منه أن هذا الحديث يدل على وجوب إجابة وليمة العرس دون غيرها لأن الوليمة المراد بها وليمة العرس إذا أطلقت دون غيرها وهذا الدليل هو الذي خصص دعوة وليمة العرس بالوجوب دون غيرها من الدعوات فتبقى على السنية٥.
_________
١ انظر شرح مسلم للنووي (٩/٢٣٤) التمهيد (١/٢٧٢) معالم السنن (٥/٢٨٩) المغني (٧/٢) طرح التثريب (٧/٧٠، ٧٧) شرح الأبي على صحيح مسلم (٥/٩٣) الفتح (٩/٢٤٢) عمدة القاري (١٦/٣٥٩) النيل (٦/٢٠٢) السبل (٣/٢٧٣) إعلاء السنن (١١/١٧) الإنصاف (٨/٣١٨) .
٢ شرح مسلم للنووي (٩/٢٣٤) الفتح (٩/٢٤٢) .
٣ الفتح (٩/٢٤٢) .
٤ تقدم تخريجه في أدلة القول الأول الدليل الأول ص: ١٠٠.
٥ الفتح (٩/٢٤١) النيل (٦/٢٠٢) السبل (٣/٢٧٥) إكمال المعلم للأبي (٥/٩٥) .
1 / 114
٣- حديث ابن عمر ﵄ أن النبي ﷺ قال: "إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها".
وفي لفظ "إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليجبها ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله"١.
ووجه الدلالة أن المراد بالوليمة هي وليمة العرس كما تقدم وما ورد في بعض ألفاظه "الدعوة" فالألف واللام للعهد والمراد بها وليمة العرس٢.
٤- حديث أبي هريرة ﵁ قال: "الوليمة حق وسنة فمن دعي فلم يجب فقد عصى الله ورسوله والخُرس والإعذار والتوكير أنت فيه بالخيار".
قال قلت: إني والله لا أدري ما الخرس والإعذار والتوكير؟ قال: الخرس الولادة والإعذار الختان، والتوكير الرجل يبني الدار وينزل في القوم فيجعل الطعام فيدعوهم فهم بالخيار إن شاؤا جاؤا، وإن شاؤا قعدوا".
أخرجه الطبراني في الأوسط٣.
ووجه الدلالة منه أنه فرق بين دعوة الوليمة وغيرها وسمى من لم يجب في الوليمة عاصيًا أما غيرها فهو بالخيار.
_________
١ تقدم تخريجه في القول الأول الدليل الثاني.
٢ الفتح (٩/٢٤٦) .
(٤/٥٦٣-٥٦٤ رقم ٣٩٦٠) ومجمع البحرين (٣/٣٢٦ رقم ١٨٩٩) من طريق الصلت بن مسعود الجحدري قال: حدثنا يحيى بن عثمان التيمي قال: حدثنا إسماعيل بن أمية قال: حدثني مجاهد عن أبي هريرة به وسنده ضعيف.
وقال: لم يرد هذا الحديث عن إسماعيل بن أمية إلا يحيى بن عثمان التيمي تفرد به الصلت بن مسعود.
وقال الهيثمي في المجمع (٤/٥٢): "وفيه يحيى بن عثمان التيمي وثقه أبو حاتم الرازي وابن حبان وضعفه البخاري وغيره وبقية رجاله رجال الصحيح. ا؟.
ويحيى بن عثمان ضعفه غير واحد والذي في الجرح والتعديل قال أبو حاتم شيخ، وأما ابن حبان فذكره وشدد النكير عليه فقال: منكر الحديث جدًا ... ".
وضعفه الحافظ ابن حجر.
الجرح والتعديل (٩/١٧٤) المجروحين (٣/١٢٣) تهذيب الكمال (٣١/٤٦٥) التقريب (٥٩٤) .
1 / 115
القول الرابع:
أن إجابة وليمة العرس فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين.
وممن قال بهذا: بعض الشافعية والحنابلة١.
أدلة هذا القول:
عموم الأدلة السابقة وقالوا إن الإجابة إكرام وموالاة فهي كرد السلام٢.
القول الخامس:
أن إجابة الدعوة تسن في العرس وتباح في غيره، حكاه العراقي عن بعض الحنابلة٣.
المناقشة:
بعد استعراض الأقوال في هذه المسألة اتضح أن الأقوال فيها خمسة المشهور منها ثلاثة: الوجوب والسنية والتفصيل وإن كان كل قول منها لا يسلم من اعتراض لكن قد يكون الاعتراض له حظ من النظر وقد لا يكون له حظ من النظر وفي هذا المبحث أود أن أورد فيه الاعتراضات الواردة على أدلة كل قول ومناقشتها قدر الإمكان مع ذكر أقوال أهل العلم في ذلك فأقول:
مناقشة أدلة أصحاب القول الأول:
نوقشت أدلة أصحاب القول الأول.
_________
١ انظر شرح مسلم للنووي (٩/٢٣٤) المغني (٧/٢) شرح الأبيّ على صحيح مسلم (٥/٩٣) طرح التثريب (٧/٧١) الفتح (٩/٢٤٢) النيل (٦/٢٠٢) الإنصاف (٨/٣١٨) .
٢ المغني (٧/٢) .
٣ طرح التثريب (٧/٧٨) وانظر الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل (٨/٣١٨) .
1 / 116