وها نحن أولا : نحقق البرهان على ما ادعيناه ، ونعرض مصداق ما حكيناه فنقول : لا خلاف بين أهل التحقيق من علماء الأمة وأكابر الأئمة ، أن القدر الذي يقتعد من أحرزه تحت الاجتهاد ، ويعد صاحبه من جهابذة الانتقاد ، هي علوم خمسة : الأول : الكتاب ، والمعتبر منه معرفة مواقع آيات الأحكام وهي خمسمائة آية لا غير .
الثاني : السنة ، والمعتبر منها الآثار الواردة في الأحكام الشرعية الوجوب ، والندب ، والإباحة ، والكراهة ، والحظر دون القصص وفضائل الأعمال .
وقد نص كثير من علماء الأصول على أن مثل ( سنن أبي داود ) كاف واف في القدر المعتبر من ذلك وأن أحد طرق الرواية كاف في حفظها .
الثالث : المسائل التي تواتر الإجماع عليها من السلف والخلف .
الرابع : علم أصول الفقه وتحقيق مسائل أبوابه فهذه مجمع على اعتبارها ولا مخالف في انخرام الاجتهاد الأكبر بانخرامها .
الخامس : علم أصول الدين فهو من أهم المعتبرات عندنا لتوقف صحة الاستدلال بالسمعيات على تحقيقه .
فهذه جملة العلوم المعتبرة بعد علوم العربية ، وإن كتابنا هذا قد انتظم هذه الخمسة انتظاما شافيا ، وصار باستقصاء المعتبر منها زعيما وافيا ثلاثة في ديباجته ، واثنان في غضون مسائله مستقصاة مفصلة ، فأما المنطق فالمحققون لا يعدونه لإمكان إقامة البرهان دونه .
وأما علم أحوال النقلة تفصيلا ، وانتقاد أشخاصهم جرحا وتعديلا ، فقبول المراسيل أسقطه ، وإنكار قبولهم إياها سفسطة ، فإنه لما كان غاية محصوله التظنين ، ولم يستثمر به العلم اليقين حكم فحول علماء الأصول بقبول مراسيل العدول وإن رواية العالم العدل تعديل حيث لا يرى قبول المجاهيل وحينئذ كمل ما أردنا من كتابنا هذا وصح ما أوردنا .
صفحه ۳