181

بحر متوسط

البحر المتوسط: مصاير بحر

ژانرها

ثم ظهر على المسرح إمبراطور طربزوني وملكة كرجية، وأمير بحر بان لمملكته في رودس، وكونت من بلوا مناد بنفسه دوكا على نيقية، وجنرال روماني مطالب بعرش بزنطة، وبندقيون وقع خيارهم على جزائر بحر إيجه ومرافئه، وأشراف إقليميون حصنوا الترموبيل، ومما وجد أيضا فلاسفة من اليونان انضموا إلى فرسان من الألمان في الحروب الصليبية وذلك حينما كان دانتي يجاهد شاهرا سلاحه.

وكانت جنوة لا تزال تقاتل البندقية قائمة في هذه المرة بحرب بحرية دامت عشر سنين امتلاكا لكورفو وأقريطش، وتقهر البندقية أقريطش فتوزع مئات «الإقطاعات» بين أشراف وبرجوازيين، ويسفر هذا التوزيع عن تحول بعض فرسان البندقية إلى فلاحين ورعاة وبعض آخر منهم إلى تجار وقراصين، ويكرم الجميع بألقاب ضخمة.

ومما حدث أن مغامرا فرنجيا غنيا استخدم كتيبة من الفرسان وبعض المراكب فاغتنم فرصة الفوضى التي كانت سائدة أيام اصطراع جنوة والقراصين وفتح سبع عشرة جزيرة ثرية كانت نكسوس منها ملكة الأرخبيل، ثم انتحل لقب دوك وبنى قلعة على أساس معبد قديم واحتل حتى إزمير، وقد أقطع قواده جزائر كثيرة فعمر الأجانب جزر الأرخبيل دفعة واحدة على هذا الوجه، ويخضع الدوك الجديد للإمبراطور الجرماني البزنطي، هنري، بدوره، فينصبه هذا العاهل «دوكا للدوديكانيز»، ولم تلبث الحرب أن نشبت بين الإمبراطور والدوك، ويغلب الدوك، ويكون للدوك من التأثير في الإمبراطور بجمال منظره وجلال أوضاعه ما يكتفي الإمبراطور معه بنزع إزمير منه مزوجا إياه بنت أخ له.

ومن يتصفح من القراء هذه القصص ذات مساء يظهر له أن جميع هؤلاء الناس لم يذهبوا إلى الحرب إلا ليكونوا موضوعا لأحاديث مغامرة، ومع ذلك كانت الأهواء بعيدة الغور كما لدينا، ويظل أقدم وطن للحضارة بلا زعماء، وتؤدي الحروب الصليبية إلى انقلاب عميق هنالك؛ ولذا لم ينتج يونان القرون الوسطى تاريخا، بل أقاصيص خليقة برواية «عشرة أيام»، وقد استغلت هذه الأحاديث من قبل مئات الكتاب الروائيين السابحين في الأحلام.

ومن المحتمل أن كان الفارس الفرنسي فلهاردوين أبهر رجال ذلك العصر في بلاد البحر المتوسط، فسار على غرار بلده شنبانية، فأنشأ بارونيات في البلوبونيز، وتقام قصور قائمة مؤثرة على صخور مشرفة على البحر وفي جبال الداخل، ولا تزال بقايا القصور تثير عجب السائح، ومع ذلك فإن من ينعم النظر في الأمر كله يشعر بما ينطوي عليه من مهزأة وشعوذة، وكيف لا يحس هذا عندما يعرف أن فارسا لنغدوكيا صار لبتراس أميرا إقطاعيا، وأن «صاحب شنبيني» ترجم اسمه إلى اليونانية، وأن سيدا ثالثا أطلق على قصره اسم «ماتا غريقون» أي «اقتل الإغريقي». وقد وزع كل واحد من هؤلاء البارونات بضع إقطاعات، وصار الأمراء الإقطاعيون المسنونون حديثا، والذين لم يكن لديهم حين ذهابهم إلى الأرض المقدسة غير سيوفهم، والذين لم يملكوا بعد ذلك غير بضع مئات من المعز، يتكلمون بعد ثلاثين سنة عن ضرورة زيادة سلطان آلهم.

وكانوا يبيعون كل ما تصل إليه أيديهم، ومن ذلك أن ضايق منافس أحد أباطرة بزنطة أو وصيا على عرشها فرهن البندقيين تاج يسوع الشوكي نيلا لمال، وهو لم يسطع أن يفكه، فتقدم ملك فرنسة سان لويس مشتريا له، ولم تكن مدرسة الشرف الفرنسي الكبرى في ذلك الحين على ضفاف الرون أو السين، بل كانت في شبه جزيرة المورة التي حل اسمها هذا محل اسم البلوبونيز آنئذ، وكان يشتمل بلاط المدعو غودفروا على «ثمانين فارسا ذوي مهاميز من ذهب». وكان أمير مورة هذا أقوى من إمبراطور القسطنطينية الهزيل فضرب نقودا شخصية لنفسه، فسار أخوه وآخرون على غراره. وكانت الغابات تعج بقطاع الطرق فعم فيها نظام للاعتبار المالي قائل بأنه لا ضرورة للمسافر أن يحمل في كيسه نقودا، وإنما يكفيه أن يحمل شكا

28

يقبض قيمته في حصن المدينة المجاورة على أن يوقعه أو يختمه، وقد حدث هذا سنة 1300 في جنوب بلاد اليونان الموحشة.

وكان هؤلاء الفرسان يتلذذون بالأقاصيص القديمة وبأسماء الأمكنة التي يملكونها، وكان لديهم من الذوق الكافي ما يجددون به الألنب، وقد نظموا في المكان الذي نال هركول انتصاراته الأولى فيه ألعابا عسكرية موعزين إلى الشعراء بأن يتغنوا بها في الغرب، وكان هذا هو الأسلوب الذي يتخذونه للدعاية إلى أنفسهم. ويقيم الأمير الإقطاعي القوي أوتون الروشي بقلعة كادمه في تب، ويحارب بجانب البندقية ضد منافس من مسقط رأسه، فلما شاب سلم قلعته وممتلكته إلى أبناء أخيه وأمر أبناءه باتباعه فعاد إلى فرنسة مع جميع أسرته على ظهر مركب، وكان في هذا كالسويسري الذي يعود من أمريكة إلى بلده بعد أن يثري ليري أبناء وطنه غناه.

ثم حدثت فاصلة هزلية أوجبها فرسان من الجرمان معروفون بطباعهم البربرية، فقد هجم المدعو فالتر ليدكرك على الإغريقي القوي بوثيوس الكورنثي في أثناء سياحة كان يقوم بها هذا الأخير، وهو لم يرد إطلاقه إلا في مقابل فدية عظيمة، ويرفض الإغريقي ذلك فيكسر أسنانه، ويعزم الإغريقي على الدفع ويطلق مفكرا في الانتقام لنفسه، ويترصد هو ورجاله في شعب واقع جنوب خليج كورنث وينتظر جلاديه، وينزل من المركب فارس فرنسي مع رفقائه ويتعاطون أقداح الراح فرحين، ويدنو الإغريقي رويدا رويدا، ويظن أنه الألماني فالتر ويضربه بالسيف على رأسه ثم يتبين خطأه ويبدي أسفه ويعتذر، غير أن الفرنسي يموت بعد يوم، وتشتعل حرب جديدة بين الأغارقة والفرنج.

صفحه نامشخص