151

بحر متوسط

البحر المتوسط: مصاير بحر

ژانرها

وقد كبرت البراعم وسيتفتح أحدها في النهار نفسه كما يلوح، وينعكس هدوء الحياة على وجهه انعكاسا صافيا حينما يبصر التماع البراعم الأصفر، ولا عجب، فرجال البحر ينتظرون عشرين عاما بين ضباب الزوابع ليقضوا مثل تلك الأويقات في بستان ساكن، ومن النادر أن تجد بينهم من يحلم أن يشيب ربان مركب غنيا قويا ...

ثم يجلس الرجل على مقعد تحت ظل صنوبرة كبيرة قائمة بين المنزل ورقاع التنوم، وكانت زوجه قد نقلت اللوبياء إلى المطبخ، فيسمع صوت طهيها، ويهدأ الحارس نصف ساعة وتعود أفكاره إلى الكتاب، ويقول في نفسه: إذن، كانت توجد أسواق بفريجوس في ذلك الدور، وكانت سان رفائيل موجودة أيضا، ومن الرزايا عدم ذكر المؤلف شيئا عن جزرنا، والقارئ، إذا ما طالع قصة عن السواحل البعيدة، كان له من المتعة كما لو وجد اسم شاطئه الخاص أيضا، والحق أنه كان يجب عليه أن يتكلم عن البحر أكثر من حديثه عن السواحل، ومما لا ريب فيه أن تاريخ بحرنا لا يختلف كثيرا عن تاريخ المحيط الأطلنطي، والواقع أنه لا تاريخ للبحر، والبحر هو هو على الدوام، وأسأل عن كون المؤلف عالما بما في أعماقه، وهل كان يعرف تاريخ السروة التي كان الملك قد قطعها؟ وهذا أمر طاب للملك، والملوك يعاملون الشجر بتوحش كما يعاملون الناس ، لا فرق في ذلك بين ملوك الماضي وملوك الوقت الحاضر، ويا لأسوار القسطنطينية! ويا لتلك الليلة الحمقاء التي قضيناها هنالك حيث جر فرنسوا الأشقر فتاة إلى برج فسقطت الخشبية وأعيدت على حسابه! ويا لشدة ما سخرنا منه! وقد التهبت الفتاة غيظا فحاولت أن تضربه، ولم يستعمل المؤلف كلمة بزنطة على الدوام؟ وأسأل: أولا يزال المنار الخرب قائما في الشمال الغربي من طرف السراي هنالك؟ ويرغب المرء أحيانا أن تطأ قدماه أرضا جديدة ...

ويبلغ الحارس هذه المرحلة من التأملات فيبصر رجوع الأولاد من المدرسة على الدراجات، وتخبر الأم بأن الغداء معد، وليس في غير جنوح النهار، حين يمكن انتظار ليلة جديدة نيرة، ما يستطيع الحارس الوحيد في حجيرته الهادئة بين جداوله وأجهزته أن يعود إلى تاريخ البندقية الذي وعد به عشية.

آخر الليل

1

يعتقد السائح أنه يدنو من سراب، لا من مقر ولاية هادئ، وذلك عندما يصل إلى خليج البندقية الواسع ويوغل فيه فيبصره مبللا بنور أزرق أخضر، وقد جاوز السائح، الآتي من الإسكندرية، البحر المتوسط في ثلاثة أيام على باخرة فاخرة عصرية، وينظف الخدم الحانة التي أتلفت ليلا والموائد التي لونت بالرماد وغطيت بالأقداح، ويصب الأولاد دلاء على جسر النزهة، وتكدس الأمتعة فتبدو كالجبل عشية لتؤخذ ضحى، ويرى السائح من هذه الصور أكثر الأمور روائية حوالي منتصف القرن العشرين، وأن دور النسناس قد مضى، وأن هذا الدور لم يكن غير أسطوري على ما يحتمل.

وكلما اقترب من تلك المدينة الوحيدة وجد كل شيء فيها مبللا بنور قوي غير حقيقي مع ذلك، وجد كل شيء غارقا في نور من الأحلام، ويزيد هذا الانطباع في كل سفر بدلا من أن يزول، ولا ريب في أنه سيبدو بعد قرون كما هو الآن؛ وذلك لأنك لا ترى مدينة في الدنيا تشابه مصرا بني على البحر، وتلوح جزر منخفضة، تميز بقباب أجراسها وشبح قصورها، أنها عائمة على البحر الذي لم يكد يلون بلون وردي بعد، وليس من العجيب أن تتوارى كما لو جرفت بجريان .

وتبرز الأبراج من بين ضباب الصباح مقدارا فمقدارا، ويبدو أعلاها في البداءة، ثم تظهر الأبراج الكثيرة الأخرى، وتبرز من بين الضباب في الأسفل قبتان ضاربتان إلى خضرة، ثم تبرز خمس قباب أخرى، ولسرعان ما تكثر الصور والأصوات حول الباخرة التي تنساب شيئا فشيئا تقريبا، ويبدأ ظهور النهار مع أنواع حركته على الأرصفة العريضة، وتؤدي في كل مكان قنوات ضيقة وسود إلى الحوض الكبير اللامع كأنها لم تزل مثقلة بالليل مع أن النهار صار مسيطرا على الخارج، وتصبح مقدمات البيوت أكثر سناء وهيفا، ويرتفع من هذه البيوت قصر رخامي فيهيمن على البحر الرائع بشكله البسيط مع عدم انتظام، ويؤلف هذا البناء زاوية حادة فيمتد إلى ميدان مربع ذي أبعاد منسجمة، ويبدو قصر الرؤساء هذا مكسوا بمرمر وردي مع شرف غيد

1

بيض قائمة على صف مضاعف من الأعمدة، وذلك كالراقصة اللابسة ديباجا تحمله ذرعان قوية، وكل شيء مستو، ولا ترى ما هو ناتئ بارز نحو السماء، وتقف الزوارق عند أسفل المراقي الطويلة، ويجعل ما لا يحصى عدده من دعائم تربط بها الزوارق ذلك الشاطئ كصف من رماح كما يلوح، وتبصر على عمودين يزينان الميدان فارسا وأسدا يرقبان من يصل من الملاحين، وذلك على حين ترى القصور ممتدة فوق القناطر، ويرمز ذلك في مجموعه إلى القوة والسلطان؛ أي إلى الجمهورية.

صفحه نامشخص