188

البحر المحیط در علم اصول فقه

البحر المحيط في أصول الفقه

ناشر

دار الكتبي

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

۱۴۱۴ ه.ق

محل انتشار

القاهرة

خَالِصَةٍ أَوْ رَاجِحَةٍ اقْتَضَى الْعَقْلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَلَبَهُ، وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَى مَفْسَدَةٍ خَالِصَةٍ أَوْ رَاجِحَةٍ اقْتَضَى الْعَقْلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَلَبَ تَرْكَهُ، وَإِنْ تَكَافَأَتْ مَصْلَحَةُ الْفِعْلِ وَمَفْسَدَتُهُ أَوْ تَجَرَّدَ عَنْهُمَا أَصْلًا كَانَ مُبَاحًا وَلَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا عِنْدَهُمْ، لِثُبُوتِهِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ، وَأَنَّ الْعَقْلَ أَدْرَكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجِبُ لَهُ بِحِكْمَتِهِ الْبَالِغَةِ أَنْ لَا يَدَعَ مَصْلَحَةً فِي وَقْتٍ مَا إلَّا أَوْجَبَهَا وَأَثَابَ عَلَيْهَا، وَلَا يَدَعَ مَفْسَدَةً فِي وَقْتٍ مَا إلَّا حَرَّمَهَا، وَعَاقَبَ عَلَيْهَا تَحْقِيقًا لِكَوْنِهِ حَكِيمًا، وَإِلَّا لَفَاتَتْ الْحِكْمَةُ فِي جَانِبِ الرُّبُوبِيَّةِ. فَعِنْدَهُمْ إدْرَاكُ الْعَقْلِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قِبَلِ الْوَاجِبَاتِ لِلْعَقْلِ لَا مِنْ قِبَلِ الْجَائِزَاتِ كَمَا نَقُولُ. وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ أَنَّ الْأَوْصَافَ مُسْتَقِلَّةٌ بِالْأَحْكَامِ، وَلَا أَنَّ الْعَقْلَ يُوجِبُ وَيُحَرِّمُ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ فِي تَقْرِيرِ مَذْهَبِهِمْ وَتَلْخِيصِ النِّزَاعِ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الصَّيْرَفِيِّ السَّابِقِ وَحَاصِلُ كَلَامِ الْقَرَافِيِّ أَيْضًا. وَالْأُصُولِيُّونَ النَّاقِلُونَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَدْ أَحَالُوا الْمَعْنَى، وَنَقَلُوا عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ مَا لَا يَنْبَغِي لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَهُ.
إيضَاحٌ آخَرُ: [الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ لَا يُعْلَمَانِ إلَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ] قَدْ تَقَرَّرَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ إنَّمَا هُوَ فِي الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ بِمَعْنَى تَرَتُّبِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. فَنَقُولُ: بَيْنَ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ وَبَيْنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ تَلَازُمٌ مَا، وَاتَّفَقَ الْمُعْتَزِلِيُّ مَعَ السُّنِّيِّ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ يُدْرِكُ حُسْنَ الْأَشْيَاءِ وَقُبْحَهَا قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ، وَافْتَرَقَا فِي أَنَّ الْمُعْتَزِلِيَّ يَرَى أَنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ مُلَازِمٌ لَهَا فَحَكَمَ بِثُبُوتِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ قَبْلَ الشَّرْعِ، لِثُبُوتِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ قَبْلَهُ، فَإِذَا جَاءَ الشَّرْعُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مُؤَكِّدًا لِحُكْمِ الْعَقْلِ، وَأَمَّا السُّنِّيُّ فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ لَا يُعْلَمَانِ إلَّا مِنْ جِهَةِ

1 / 190