وصحبته، فقال عبد الله بن مسعود: ونحن نحتسب لكم إيمانكم به ولم تروه، وإن أفضل الإيمان الإيمان بالغيب، ثم قرأ عبد الله الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وقد قيل: (يؤمنون بالغيب) يعني يصدقون بالبعث بعد الموت.
وقوله تعالى: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ، أي يديمون الصلاة، وقد قيل أيضًا: إِنَّ العبد يديم الصلاة وقد قيل: يحافظون على الصلوات الخمس بمواقيتها وركوعها وسجودها والتضرع بعدها. وقد قيل: إن العبد إذا صلى صلاة تُقْبَلُ منه، خلق الله تعالى منها ملكًا يقوم ويصلي لله إلى يوم القيامة، وثوابه لصاحب الصلاة فهذا معنى قوله: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ.
وقوله ﷿: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أي يتصدقون، قال الكلبي: وهو زكاة المال.
وروى أسباط، عن السدي، عن أصحابه قال: هي نفقة الرجل على أهله وهذا قبل نزول آية الزكاة. ويقال: ينفقون أي يتصدقون صدقة التطوع. ويقال: هي عليهم جميعا التطوع والفريضة.
[سورة البقرة (٢): الآيات ٤ الى ٥]
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)
قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ يعني بالقرآن قوله: وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يعني التوراة والإنجيل وسائر الكتب، ويقال: لما نزلت هذه الآية الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ قالت اليهود والنصارى: نحن آمنا بالغيب فلما قال: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ قالوا: نحن نقيم الصلاة فلما قال: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ قالوا: نحن ننفق ونتصدق. فلما قال: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ نفروا من ذلك.
وقوله: وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أي يقرُّون يوم القيامة، والجنة والنار، والبعث، والحساب، والميزان. واليقين على ثلاثة أوجه: يقين عيان، ويقين خبر، ويقين دلالة. فأما يقين العيان: إذا رأى شيئًا، زال عنه الشك في ذلك الشيء، وأما يقين الدلالة: هو أن يرى دخانًا يرتفع من موضع، يعلم باليقين أن هناك نارًا وإن لم يرها وأما يقين الخبر: فإن الرجل يعلم باليقين أن في الدنيا مدينة يقال لها بغداد، وإن لم يكن يعاينها. فهاهنا يقين خبر، ويقين دلالة، أن الآخرة حق ولكن تصير معاينة عند الرؤية.
ثم قال ﷿: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ يعني أهل هذه الصفة الذين سبق ذكرهم على بيان من الله تعالى، أي أكرمهم الله تعالى في الدنيا حيث هداهم، وبين لهم طريقهم. وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ في الآخرة، أي الناجون. يعني أن الله تعالى أكرمهم في
1 / 23