واتفق غرة هذه السنة بشهر محرم منها، خروج طائفة الفرنج الملاعين، بعد قضاياهم مع العماني في هذه الأحايين، كما سبق ذكره، فلما فرغوا عن حربهم له، وهزيمتهم إياه إلى أرضه غفل عنهم، وتدير ببندر مسكت ، وهدأت فورته وقتاله لهم وسكت، كان منهم هذا الخروج إلى بندر المخا، والقصد لبابه من غير خفا، عقب دخول البضاعة الهندية على قلتها إليه[2/أ]، وشروع البيع والشراء فيه. وكان قد ظفروا في بابه، قبل الاتصال بجنابه، بثلاثة أغربة أحدها: خرج من بندر عدن إلى المخا لأحمد بن الحسن بحرا، وفيه دراهم وهدايا، والآخران: من عدن وجهته، فانتهبها الفرنج وحازوه، واستولوا عليه وقبضوه، والبعض منه حرقوه واستهلكوه، فلما كان الأمر كذلك، واتفق هذا هنالك، أمر صاحب المخا يومئذ الحسن بن المطهر الجرموزي بالمصانعة للفرنج والخطاب، وبذل الضيافة وتسكين الحالة حتى يتصل إليه جنود الغارة، والتحسس لأخبارهم وكثرتهم وقلتهم وعدتهم وحقيقة مقصدهم، فجاؤوه الرسول بالخبر عنهم، والسبب الحامل لهم فقالوا: موجب الوصول ما جرى مع أصحابهم العام الأول في باب المخا من القتال، وما راح عليهم من المال من أصحاب العماني، وعدم دفع صاحب المخا لذلك الفعل الصادر والجاري، وأنه كان به راضيا[2/ب] وعليه معينا، فبذل السيد الحسن لهم عوض ما راح مالا، وقال: ليس له فيه سعاية ولا قصدا، فأبوا إلا القتال، والاهتمام بالدخول إلى البندر والإحتمال، فأخذ منهم الصلح قدر ثمانية أيام عشرة أيام كل ذلك منه للإنتظار لوصول الغارات ، مما يقرب إليه من الجهات، فوصلت الغارات من زبيد ومن موزع ومن جحاف بعد أن كان قد انجفل أكثر أهل المخا، عنه بأموالهم، ومنهم من دفنها في التراب، خشية من الذهاب وسكن السيد الحسن من سكن من أهل المخا وقال: هذه الغارات واصلة فلا نخاف منهم إن شاء الله ولا نخشى. وكان جملتهم قدر سبع خشب ما بين برشة وغراب فيها الرجال، ومكاحل الرمي والمدافع والمال. والإمام لما وصل إليه خبرهم وقادمهم بادر إرسال ولده علي بن أمير المؤمنين في الحال بمن حضر عنده من عسكر الرجال جملتهم قدر خمسمائة، وساروا حيث الإنتقال، وكان وصول الغارات[3/أ] الأولة هي التي نفعت البندر من الصدمة، فلما كان سابع وصولهم أو سادسه قصد الفرنج المخا، وكان كل خشبة من خشبتهم فيها بيرق وعدة الحرب والضرب، ولعل جملتهم قدر ثلاثة آلاف؛ لأن الغراب تسع قدر مائتين وخمسين مع الأزواد والآلات، فأول عمل منهم قصدهم إلى قلعة فضلى التي مقابل للمخا من خارجه، وكان فيها جماعة من المسلمين رتبة فصابحهم جماعة من الفرنج خرجوا إلى الساحل فجرا، وركزوا السلاليم القنا، وصعدوا من أعلا، فهرب من القلعة بعضهم وثبت البعض لهم، فكان القتل في الدرب في المسلمين قتل منهم ثمانية، ووقع القتال بينهم، واشتد وحمي وطيسهم، ووصلت غارة المخا إليهم فانهزموا حينئذ، وقتل من الفرنج قدر عشرين نفسا حال الهزيمة ومن المسلمين الثمانية، وجنايات آخره. وكان جملة الخارجين من الفرنج إلى القلعة من الساحل قدر ثلاثمائة نفر وقيل أقل، وأكثرهم في البحر بغربانهم وبراشهم، وأخذ عسكر المسلمين بيرقهم الذي خرج معهم في البحر؛ لأن صاحبه قتل في باب الدرب[3/ب] وهزموهم إلى البحر، فدخلوا غربانهم وسنابقهم، واجتمعوا بأصحابهم، وأرسل بالبيرق الذي أخذ عليهم إلى صنعاء فركز في سوقها بأعلا سمسرة خان خليل. ثم كان اليوم الثاني من هذا الحادث المذكور، وزحفت الفرنج بأجمعهم إلى باب المخا، وشنوا عليه المدافع والزبارط من جميع براشهم، فكانت تقع في وسط المخا كالمطر الملقا، ولم تضر مع كثرتها أحدا غير رجل واحد هلك منها، وأخربوا بذلك الرمي جانبا من قصر المخا المطل على البحر بعد أن كان خرج عنه الجرموزي إلى جانب الأقصى وأخلاه عن السكون لكثرة الرمي المشنون، ثم رمى أهل المخا بالمدفع الكبير، فوقع في دقل البرشة معهم، ويقال: إنه راح منهم ثلاثة نفر وكان بسببه تأخرهم. وكان قد تقدم جماعة من الفرنج إلى داير المخا من جانب آخر يريدون إلقاء الحريق، ففطن بهم بعض المسلمين رموهم فردوهم على أعقابهم، وزال جميع حيلهم، ثم إنهم ساروا إلى باب المندب ، ثم عادوا إلى باب المخا، ثم ما زالوا كذلك في البحر يسيرون ويرجعون في البحر، ولم يقع قتال مدة أربعة أشهر، ثم ساروا وكل ذلك لأجل استخراج أهل المخا، واللحوق في البحر ليأخذوا منهم الغرض الأقصى[4/أ] لعلمهم بقلة أجسامهم في أعمال البحر وتصرفهم، فلم يخرج إليهم أحد في مدة لبثهم، فلما أيسوا عن ذلك عادوا راجعين بلادهم، وزال شرهم، ودخلوا بلادهم في شهر رجب منها.
وحصل للفرنج هذا العام هيجان في البحر عظيم، وسببه تحريك العماني لهم لما غزا بندرهم الديو العام الأول.
وفي العاشور من محرم وصل خبر الحاج بأنه كان العراقي هذا العام قويا زائدا على عادته، وكذلك الشامي، وأما المصري فعلى عادته. وحج بالناس الباشا حسن، واستقر بمكة بعد عزم المحامل شهرا ثم عاد جدة.
صفحه ۲۹۷