وفي مدخل يومين أو ثلاث وصل الخبر إلى صنعاء من طريق السراة أنه وقع بمنى عند جمرة [14/ب]العقبة واقعة عظيمة، وذلك أن اثنين قيل: أحدهما من هذيل وآخر من أصحاب الشريف رميا الباشا حسن، قيل: ذلك بأمر الشريف سعد وهو أنكره، فرميا الباشا حسن وكان غافلا ساكنا حال رمي جمرة العقبة من رأس اللكمة التي جنوبي الجمرة يقعد فيها أهل اليمن للفرجة على الناس حال الرمي للجمار، رمياه في حالة واحدة برصاصتين أصابته إحداهما في فخذه ونفذت إلى حصانه فسقط في الحال،، والتفت أصحابه الحاضرون عنده للضرب بسيوفهم فيمن عندهم، فقتلوا في الحال قدر ثلاثين نفسا، وانهزم الناس وهربوا، وحصلت فيهم صولة شديدة وحالة كبيرة،ومنهم من زال عقله لحصول ذلك الحادث على حين غفلة، وقتلوا من كان في المقهاية التي تجعل عند جمرة العقبة تحت هذه اللكمة، ومن جملتهم مقهوي من صنعاء كان فيها. وكان هؤلاء القتلى مجموعين حجاج وفقراء، فالذي عرف منهم من اليمن المقهوي المذكور، وآخر من بلاد عتمة، وآخر من بلاد رداع، والآخرون من حفاش [15/أ]، ثم من سائر الأرض، وحصل النهب في أطراف منى، والشريف كان في محطته يومئذ، فجاءه الخبر أن الباشا قد قتل، فركب وركب أصحابه ودرع وخوذ. فلما قرب منهم رأى القتال واقعا والضرب بالسيوف لامعا، قهقر ورجع إلى محله، وضم من عنده، وفي محطته. والباشا أدخله أصحابه التختروان وتقدموا إلى مكة بالعساكر والركبان، فدخلوها في النفر الأول وسكنوها، والشريف دخل بعد ذلك وحده، وأمر أصحابه وجنده قبله. واختلفت الأخبار في شأن الباشا حسن، فمنهم من قال: قتل ومات في الحال، ومنهم من قال: إنما اصتاب فقط وسلم وهو الأكثر، والأخبار بعدبه أشهر. ومن الحجاج الذي شهد هذه الوقعة وسلم بعد أن كان رأى نزيف السيوف، والأمر المسلم وصل إلى اليمن وعاد بعد حجه، وقد تغير عقله، وما زال يهذي في نومه ويقظته بالسيف السيف، حتى لم يلبث أن مرض ومات بعد عوده. وهذا الأمر الذي جرى في حرم الله وأمنه ما كان[15/ب] يحسن فعله والله يقول: {ومن دخله كان آمنا } ولا سيما في هذه الأيام الشريفة، والمواقف المباركة، والأيام المعلومة على تلك الحال والصفة، ولا سيما ما كان سبب ذلك من قتل هذه النفوس، في ذلك المحل المأنوس. وكانت هذه الواقعة يوم الأربعاء وقت الظهر النفر الأول، إذ كان عرفة هناك يوم الأحد والعيد يوم الإثنين. وكان الباشا ما تم الرمي للجمرة، وإنما كان رمى ثلاث حصى، فلما اجتمع الناس بمكة حصل الخوف والحذر من ثائرة الفتن، وبطل أكثر البيع والشراء والأسباب، لعدم الأمن على الأنفس والأموال، حتى ينفصل أمر ذلك الحال، مع أن هذي الفعال لا يبعد أن تكون سببا لتحريك السلطان وإيقاظ الفتنة وهي نائمة، ولله قول الشاعر:
أمور يضحك الجهال منها
صفحه ۳۱۳