في الأصول وغيره وفاق الأقران في الفقه ثم أقبل على الحديث وحفظ متونه ورجاله فحفظ من ذلك شيئًا كثيرًا، وكان في الجملة أحفظ الناس لمذهب الشافعي، واشتهر بذلك وطبقة شيوخه موجودون وبَعُدَ صيتُه ثم قدم علينا قاضيًا بالشام وهو إذ ذاك كهلٌ فبُهِر الناس بحفظه وحسن عبارته وجودَةِ معرفته وخضع له الشيوخ في ذلك الوقت واعترفوا بفضله ثم رجع إلى بلده وبنى مدرسته بالقاهرة وأثرى وكثر ماله، وتصدر للفتوى والإشغال، وكان يعول الناس في ذلك كله عليه ورحلوا إليه، وكثر طلبته في البلاد وأفتوا ودرسوا وصاروا شيوخ بلادهم في أيامه، وكان صحيح الحفظ قليل النسيان ثم صار له اختيارات يفتي بها وله نَظْم كثير متوسط في الحكم والمواعظ ونحو ذلك، وله تصانيف كثيرة لم تتم، يصنف قطعًا ثم يتركها، وقلمه لا يشبه لسانه -انتهى كلام الشيخ شهاب الدين ابن حجر.
قلت: والسبب في عدم إكماله المصنفات كما قال ولده القاضي جلال الدين لاشتغاله بالإشغال والتدريس والإفتاء.
ومن مصنفاته: كتاب محاسن الاصطلاح وتضمين كتاب ابن الصلاح في علوم الحديث، وتصحيح المنهاج في مجلدات أكمل منه الربع الأخير في خمسة أجزاء ومن النكاح جزءٌ ونصف، والكشاف على الكشاف وصل فيه إلى أثناء البقرة في ثلاث مجلدات ضخمة، وشرح البخاري كتب خمسين كُرَّاسًا على أحاديث يسيرة إلى أثناء الإيمان سماه بالفيض الجاري على صحيح البخاري، والعرف الشذي على جامع الترمذي كتب منه قطعةً صالحة، ومنهج الأصلين أكمل منه أصل الدين، وكتب قريبًا من نصف أصول الفقه والنصوص والنقول عن الشافعي كتب منه قطعة صالحة، وفتاويه مشهورة لكنها غير مرتبة وقد شرع في تتبعها وترتيبها بعض طلبة اليوم، والتدريب في الفقه وصل فيه إلى الرَّضاع وهو كتاب نفيس فيه ضوابط حسنةٌ في أول الأبواب، وحواشي الروضة في أجزاء، والفوائد المَحْضَةُ على الرافعي والروضة، والمُلِمَّات على المهمات، وإظهار المستند في تعدد الجمعة في البلد -عارض فيه السبكي لمنعه التعدد، والدلائل المحققة في الوقف على طبقة بعد طبقة - ردًا على السبكي أيضًا في كتابه المباحث
1 / 34