وليس يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل
وقال في أولها: هو شيخ الإسلام، والعلم الفرد المستغني عن الألقاب والأعلام، ذو الفضائل التي لا تساما ولا تسام، والمآثر والمحامد الجسام، الذابِّ عن شريعة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام بالقلم واللسان، والمجاهد في الله حق جهاده بالعلم والعمل وإن لم يكن بالسيف والسنان، قمع المبتدعة فلم يظهر لهم رؤوس وكف المبطلين فهم في حال عبوس وأبطل ما قدر على إبطاله من المنكرات والمكوس، جمع الله فيه بين صفتي الاجتهاد من الإطلاق والتقييد، فهو المتمكن من استخراج العلم بالاستنباط من الدليل بالرأي السديد، والمتمكن من تخريج الفروع على قواعد الإمام الشافعي بالعلو والتوليد، كم له من مولدات أُلين له حديدها ففاقت مولدات ابن الحداد بالتفصيل والإجمال، وتخريجات فتح بها أقفال الإشكالات التي أعْيت القفال، وخطابة اعترف له فيها إمام الحرمين بالإمامة، وتقسيمات قلده الغزالي فيها الزعامة، وفصاحة أنست سحبان وائل، وغريبة جاء في حلبة سباقها مع الأوائل.
وقد شهد له في حداثة سنه منصفو أئمة عصره بالتقدم في الفتوى والأولوية، واعترفوا له في ذلك بالأحقية، وسلموا له الفتوى من ستين سنة إلى حين وفاته، وانعكفت عليه الطلبة واستغرق باشتغالهم غالب أوقاته.
تجاوزت فتاواه الآلاف الكثيرة، وطبّقت طلبته الأرض بعلومهم الغزيرة، لم يسمع عمن مضى من الأئمة أنه أفتى كفتواه، ولا انفرد كتفرده، وليس من ناوأه، وانتهت فتاواه، وطار اسمه إلى أقصى البلاد.
وركن الناس إليه وجعلوا على فتواه الاعتماد، يود ملوك أقطار الأرض أن يتملوا برؤية وجهه المبارك الميمون، وإذا سمعوا عن أحد أنه من أصحابه وتلامذته فبه يتبركون، وصل من طلبته إلى بلاد خراسان من صار له فيها المكانة والإمكان، وقُصد من أطراف الأرض للاشتغال من الحجاز واليمن، ومن بلاد العراق والعجم فضلًا عن الشام ومن بها سكن، وفاقت طلبته عن الحصر وهذا
1 / 32