من توجه عَلَيْهِ الحكم هَل لَهُ مَا يسْقطهُ وَيمْتَنع سُؤَاله قبل الْأَدَاء وَالْقَبُول والثبوت. وَقَوله فِي النَّص السالمة من الطعْن يَعْنِي فِي ظَنّه واعتقاده لِأَنَّهُ يسند لعلمه فِي ذَلِك فَقَوْل (ت) وَلَا يكون أَي الثُّبُوت إِلَّا بعد كَمَال الْبَيِّنَة والإعذار فِيهَا سَهْو بل يكون الثُّبُوت فِيمَا لَا خُصُومَة فِيهِ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا مرّ. تَنْبِيهَات الأول: قَالَ الْقَرَافِيّ: الْفَتْوَى وَالْحكم كِلَاهُمَا خبر عَن الله تَعَالَى، وَيجب على السَّامع اعْتِقَاد ذَلِك إِلَّا أَن الْفَتْوَى مَحْض إِخْبَار وَالْحكم إِخْبَار مَعْنَاهُ الْإِنْشَاء والإلزام، وَكِلَاهُمَا يلْزم الْمُكَلف، فالمفتي مَعَ الله تَعَالَى كالمترجم مَعَ القَاضِي ينْقل عَنهُ مَا وجده عِنْده واستفاده مِنْهُ بِإِشَارَة أَو عبارَة أَو فعل أَو تَقْرِير أَو ترك، وَالْحَاكِم مَعَ الله تَعَالَى كنائب الْحَاكِم ينشىء الْأَحْكَام والإلزام وَلَيْسَ بناقل ذَلِك بل مستنبئه فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ: أَي شَيْء حكمت بِهِ على الْقَوَاعِد فقد جعلته حكمي، فكلاهما مُطِيع لله تَعَالَى ناقل لحكمه غير أَن أَحدهمَا منشىء وَالْآخر ناقل اه. وَقَوله: وَيجب على السَّامع اعْتِقَاد ذَلِك الخ. من أجل ذَلِك قَالَ قَاض لخصم اتهمه فِي حكمه لست بِمُؤْمِن، فَقَالَ وَبِمَ كفرتني؟ فَقَالَ لَهُ قَالَ تَعَالَى: فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك﴾ إِلَى آخر قَوْله: ثمَّ لَا يَجدوا فِي أنفسهم حرجًا﴾ (النِّسَاء: ٥٦) الْآيَة. الثَّانِي: علما الْقَضَاء وَالْفَتْوَى أخص من الْعلم بالفقه لِأَن مُتَعَلق الْفِقْه كلي من حَيْثُ صدق كليته على جزئيات فحال الْفِقْه من حَيْثُ هُوَ فَقِيه كَحال عَالم بكبرى قِيَاس الشكل الأول فَقَط، وَحَال القَاضِي والمفتي كَحال عَالم بهَا مَعَ علمه بصغراه وَلَا خَفَاء أَن الْعلم بهما أشق وأخص، وَأَيْضًا فقها الْقَضَاء وَالْفَتْوَى مبنيان على إِعْمَال النّظر فِي الصُّور الْجُزْئِيَّة وَإِدْرَاك مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من الْأَوْصَاف الكائنة فِيهَا فيلغي طرديها وَيعْمل معتبرها قَالَه ابْن عَرَفَة فَقَوله: وَأَيْضًا فقها الخ، هُوَ بَيَان لوجه كَونهمَا أخص بعد أَن بَينه بالمثال وَقَوله: طرديها أَي الْأَوْصَاف الطردية الَّتِي لَا تنبني على وجودهَا أَو فقدها ثَمَرَة، وَهَذَا وَجه تخطئة الْمُفْتِينَ والقضاة لبَعْضهِم بَعْضًا، فقد يَبْنِي القَاضِي والمفتي حكمه على الْأَوْصَاف الطردية المحتفة بالنازلة ويغفل عَن أوصافها الْمُعْتَبرَة، وأصل مَا ذكره ابْن عَرَفَة لِابْنِ عبد السَّلَام. وَنَصه: وَعلم الْقَضَاء وَإِن كَانَ أحد أَنْوَاع علم الْفِقْه وَلكنه يتَمَيَّز بِأُمُور لَا يحسنها كل الْفُقَهَاء، وَرُبمَا كَانَ بعض النَّاس عَارِفًا بفصل الْخِصَام وَإِن لم يكن لَهُ بَاعَ فِي غير ذَلِك من أَبْوَاب الْفِقْه، كَمَا أَن علم الْفَرَائِض كَذَلِك وَلَا غرابة فِي امتياز علم الْقَضَاء عَن غَيره من أَنْوَاع الْفِقْه، وَإِنَّمَا الغرابة فِي اسْتِعْمَال كليات الْفِقْه وتطبيقها على جزئيات الوقائع وَهُوَ عسير، فتجد الرجل يحفظ كثيرا من الْعلم وَيفهم وَيعلم غَيره، وَإِذا سُئِلَ عَن وَاقعَة بِبَعْض الْعَوام من مسَائِل الْإِيمَان وَنَحْوهَا لَا يحسن الْجَواب عَنْهَا، وللشيوخ فِي ذَلِك حكايات نبه ابْن سهل فِي أول كِتَابه على بَعْضهَا اه. وَبِه تعلم أَن معنى قَوْله فِي ضيح: وَعلم الْقَضَاء وَإِن كَانَ أحد أَنْوَاع الْفِقْه، لكنه يتَمَيَّز بِأُمُور لَا يحسنها كل الْفُقَهَاء، وَقد يحسنها من لَا بَاعَ لَهُ فِي الْفِقْه اه. هُوَ أَنه من لَا بَاعَ لَهُ فِي حفظ مسَائِل الْفِقْه، لكنه مَعَه من الفطنة مَا يدْخل بِهِ الجزئيات تَحت كلياتها بِخِلَاف غَيره، فَهُوَ وَإِن كَانَ كثير الْحِفْظ لمسائله لَكِن لَيْسَ مَعَه من تِلْكَ الفطنة شَيْء كَمَا يرشد إِلَيْهِ كَلَام ابْن عبد السَّلَام، وَلذَلِك نقلته برمتِهِ. وَكثير من الحمقاء اغْترَّ بِظَاهِر كَلَام ضيح حَتَّى قَالَ: إِن الْقَضَاء صناعَة يُحسنهُ من لَا شَيْء مَعَه من الْفِقْه، وَجرى ذَلِك على أَلْسِنَة كثير
1 / 34