سواهُ تَعَالَى مقضي عَلَيْهِ من مَوْلَاهُ وَمِمَّنْ ولاه فَيُقَال لَهُ: مَا أحقك أَن تستشعر ذَلِك وتستحضر أَنَّك مسؤول عَن كل حكم حكمت بِهِ هُنَالك. وَفِي الْبَيْت براعة الاستهلال وَهِي أَن يَأْتِي الْمُتَكَلّم فِي أول كَلَامه بِمَا يشْعر بمقصوده، فَإِنَّهُ لما كَانَ قَصده أَن يتَكَلَّم فِي أَحْكَام الْقَضَاء وصف الله سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ يقْضِي وَلَا يقْضى عَلَيْهِ. (جلّ): فعل مَاض بِمَعْنى عَظِيم (شَأْنًا): تَمْيِيز محول عَن الْفَاعِل كَقَوْلِه تَعَالَى: واشتعل الرَّأْس شيبًا﴾ (مَرْيَم: ٤) أَي عظم شَأْنه والشأن الْأَمر وَالْحَال قَالَه الْجَوْهَرِي. (وَعلا): فعل مَاض أَيْضا مَعْطُوف على جلّ وتمييزه مَحْذُوف أَي قدرا أَي جلّ شَأْنه وَعلا قدره، وَيحْتَمل أَن يكون مصدرا من قَوْلهم: علا فِي المكارم من بَاب تَعب عَلَاء بِفَتْح الْعين وَمد اللَّام كَمَا فِي الْمِصْبَاح قصره ضَرُورَة فَيكون مَعْطُوفًا على قَوْله شَأْنًا أَي عظم شَأْنًا وعلاء وَلَا يَصح أَن يكون اسْم مصدر لِأَن اسْم الْمصدر هُوَ مَا كَانَ لغير الثلاثي بِوَزْن مَا للثلاثي كأعطى عَطاء واغتسل غسلا، فاسم الْمصدر هُوَ عَطاء وَغسل والمصدر إِعْطَاء واغتسال فَيَقْتَضِي أَن عَلَاء بِمَعْنى إعلاء كَمَا أَن عَطاء بِمَعْنى إِعْطَاء وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْمَعْنى يأباه. ثُمَّ الصَّلاَةُ بِدَاوَامِ الأَبَدِ عَلَى الرَّسُولِ المُصْطَفَى مُحَمَّدِ (ثمَّ الصَّلَاة) من الله تَعَالَى أَي الرَّحْمَة مِنْهُ إِذْ الصَّلَاة لُغَة من الله رَحْمَة، وَمن الْمَلَائِكَة اسْتِغْفَار، وَمن الْآدَمِيّين دُعَاء بِخَير، وَلَكِن لما كَانَ فِي التَّعْبِير عَن الرَّحْمَة بِالصَّلَاةِ من التَّعْظِيم مَا لَيْسَ فِي لفظ الرَّحْمَة قَالَ تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ﴾ (الْأَحْزَاب: ٦٥) الْآيَة. فَالْمُرَاد أَن يطْلب العَبْد من الله تَعَالَى زِيَادَة التكريم والإنعام والتعظيم لنَبيه ﵇، وَإِلَّا فَأصل الرَّحْمَة حَاصِل لَهُ ﵇ فَلَا يطْلب تَحْصِيله ونفعها عَائِد على الْمُصَلِّي لخَبر: (من صلّى عليَّ مرّة وَاحِدَة صلى الله عَلَيْهِ بهَا عشرا) فَالصَّلَاة عَلَيْهِ من أجلّ الْأَذْكَار وَأَعْظَمهَا ثَوابًا. (بدوام): يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال من الصَّلَاة أَي مُؤَقَّتَة بدوام (الْأَبَد): أَي الدَّهْر وَهُوَ حَرَكَة الْفلك. (على الرَّسُول): خبر عَن الصَّلَاة (الْمُصْطَفى): نعت للرسول (مُحَمَّد): بدل وَالْجُمْلَة معطوفة بثم على جملَة الْحَمد قبلهَا. وَالرَّسُول إِنْسَان أُوحِي إِلَيْهِ بشرع وَأمر بتبليغه، والمصطفى مُشْتَقّ من الصفو وَهُوَ الْخَالِص من الكدر والشوائب كلهَا وطاؤه مبدلة من تَاء وَكِلَاهُمَا مقرون بأل علم بالغلبة على نَبينَا مُحَمَّد ﷺ فَإِذا أطلقا لَا ينصرفان لغيره من الرُّسُل والأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَهَذِه
1 / 16