البهجة التوفيقية
البهجة التوفيقية لمحمد فريد بك
پژوهشگر
د .أحمد زكريا الشلق
ناشر
دارالكتب والوثائق القومية
شماره نسخه
الثانية
سال انتشار
1426هـ /2005 م
محل انتشار
القاهرة / مصر
لما وصل هذا الخبر المشئوم إلى إسماعيل باشا قام من ساعته ومعه باقي الجيش | قاصدا مدينة شندي وكان ملكها رئيسا لهذه الثورة فوصلها فجأة ودخلها بدون | أن يقاومه أحد أو يعارضه معارض حتى احتلها مع عسكره ثم أمر بإحضار ملك | شندي أمامه ، فلما مثل بين يديه أخذ يرميه بأنواع الشتم والسب حتى اشتد | غيظه ، وزاد بصفعه على وجهه فلم يقدر أن يفوه ببنت شفة ، بل أسرها له في | نفسه وعزم على الإنتقام منه ، وأما إسماعيل باشا فعفا عنه بشرط أن يدفع غرامة | | قدرها خمسة آلاف بينتو يدفعها في مدة خمسة أيام وألفان من الرقيق فامتثل | لذلك ملك شندي وقبل هذه الغرامة ظاهرا مصمما على الأخذ بالثأر .
ثم أولم لإسماعيل باشا ومن معه من كبار القوم وليمة في قصره ودعاهم إليها | فأجوبوا دعوته وتوجههوا إلى منزله غير عالمين بما تكن لهم صدور أعدائهم من | المكايد ، فبينما هم على الطعام إذ أمر الملك أعوانه بأن يجمعوا حطبا كثيرا وقشا | وتبنا وغير ذلك من المواد الجافة السريعة الإلتهاب ، وأمرهم أن يضعوه حول | البيت فلما فرغ الأضياف من تناول الطعام وتأهبوا للخروج والذهاب إلى | معسكرهم ، أضرم الأعداء النار فيما جمعوه حول المنزل من المواد الإلتهابية فلم | يمض إلا هنيهة حتى اتقد المنزل وما فيه من الأثاث وصار كشعلة من نار ولم | يتيسر لإسماعيل باشا ورفقائه الخروج لشدة النار ولإحاطة جنود الملك بهم من | كل جهة فسدت في وجوههم المسالك حتى ماتوا حرقى ولم يتيسر لعساكرهم | أن يبسطوا لهم يد المساعدة ويخلصوهم من هذه الميتة الشنعاء لإنقضاض باقي | جنود السودانيين عليهم وذبحهم إياهم ، فلم ينج منهم إلا من تمكن من الهرب | تحت جنح الظلام وأستار الليل .
فلما بلغ محمد علي باشا نعي ولده تأثر جدا وحزن على فقده زمنا طويلا لا | سيما وكان قد توفي قبله ولده طوسون باشا ومع ذلك لم يلهه حزنه عن النظر | في أمور حكومته والسعي في إتمام مشروعاته خصوصا ما يتعلق بتنظيم الجيش | مع ما صادفه في طريقه من العقبات التي كادت أن تحول بينه وبين نجاح | مشروعه لولا ثباته ومثابرته على العمل وعدم تأخره عند حدوث مانع أو طروء | صعوبة بل كان يلقى الصعوبات بقلب ثابت لا تزعزعه العواصف ولا ترهبه | القلاقل ولما جيء بجثة إسماعيل باشا محرقة إلى مصر احتفل بدفنها احتفالا عظيما | ظهر به ميل المصريين للعائلة الحاكمة ومشاركتها لها في فرحها وحزنها وسرائها | وضرائها . |
صفحه ۱۰۷