ثم إن الإنكليز طلبت من الباب العالي عزل محمد علي أو نقله إلى ولاية | أخرى لأمر بدا لها في ذلك ، سنأتي على تفصيله قريب ، فسمع الباب العالي | مقالها وأرسل إلى مصر دونانمة تحت إمرة قبطان باشا ومعه فرمان بتولية محمد | علي باشا سلانيك وتعيين من يدعى موسى باشا مكانه ، فأتى الإسكندرية ومعه | فرقة من العساكر المنتظمة وأمر بإعادة أمراء المماليك إلى ولاية الأقاليم . ولما بلغ | هذا الفرمان إلى محمد علي باشا لم يظهر عدم الإمتثال بل استعد للسفر فاجتمع | عليه العلماء والقواد والجنود وأخبروه أنهم لا يرضون بخروجه ، وأنهم يحررون | خطابا للباب العالي ويرسلونه مع ولده إبراهيم بك ويكون مضمونه إظهار | رغبتهم في بقائه عليهم واليا لما رأوه منه من مراعاة جانب الأهالي ومنع مظالم | الجنود عنهم واتباعه مشورة العلماء في الأمور المهمة ، ولما وصل إبراهيم بك إلى | الإسكندرية رجع معه قبطان باشا بمراكبه ومعه موسى باشا الذي أتى ليكون | واليا فلما وصلوا إلى إسلانبول وعرض الأمر على الباب العالي ، قبل السلطان | | ما طلبه المصريون وأرسل إلى مصر فرمانا بتثبيت محمد علي باشا على ولايته | فوصلها الفرمان في أواخر شعبان شنة 1221 ( 7 نوفمبر سنة 1806 ) .
لكن لم ينقطع أذى الجند عن الأهالي بل كان الخلاف عاما في جميع الأنحاء | والشغب ضاربا أطنابه بين صفوف العساكر ، فالأرنؤد تخالف الإنكشارية | وتقاتلها ، والدلاة تعادى كل فرقة وتنازعها ، والكل معاد للأهالي عاص للوالي | يعيثون ويعربدون في أنحاء القاهرة وينهبون الأهالي ويطردونهم من منازلهم | ويسكنونها واستعملوا في النهب والسلب أنواع الحيل فيما لم يجدوا إليه سبيلا | فربما جلس العسكري على حانوت رجل بدعوى الإستراحة أو اشتراء شيء ثم | يقوم ويعود ثانيا قائلا إني نسيت وتركت هنا كيسا ، ويجعل ذلك سبيلا لإهانة | صاحب الحانوت ونهب ما عنده وربما زاد على ذلك ما لا يخطر بالبال ولم يحصل | مثله عند الممم الجائلة في ظلمات التوحش وفيافي الهمجية . فشاركوا الباعة في | عروضهم وساهموهم فيما يربحون من أموالهم ، هذا والأهالي يتحملون كل هذه | الشدائد ولا يهمون بمنعها بل يتجلدون بالصبر والتضرع إلى الله في أن يخلصهم | مما نزل بهم من شرور هذه الفئة الباغية فكانوا متقلبين على جمرات البلايا في | بحار الرزايا تضيق صدورهم ولا تنطلق ألسنتهم .
صفحه ۴۰